في الستين وما بعدها تقف الحياة على عتبات الأسئلة الكبرى دون إجابات مقنعة أو تفسيرات منطقية.. تتداخل الصور ولا تسعفك الذكريات في ترتيب الأحداث.. تضيق بك الأماكن أحيانا.. وتنكتم أنفاسك ويضيع صوتك وتعجز عن الصراخ.. ونصيحتي لك من مخلوق أحب الحياة والناس بألف روح.. أن تخرج من غرفتك الضيقة الرطبة وأن لا تدمع كثيرا، فالدمعة على طرف الجفن لا تفيد فطيف الحزن لا يليق بوجه المسن.. الضحكة على الثغر في الستين كفوح العود ندي وملفت ..لقد تعلمت الكثير من أيام حياتي.. لقد تعلمت كيف أطبخ على نار هادئة مزيجا بدائيا من المسرة والفرح في أحلك الظروف وألثم جدران الضوء البازخ وأقبل ماء الصبح في الوضوء فكل الغيوم تحمص الشمس بياضها الراحل وكل ما كان قبل ساعات لن يكون مرة أخرى أبديا.. «الشيخوخة لا تحميك من الحب.. ولكن الحب يحميك من الشيخوخة» لا تتوقف عن حب من تحب.. لا تجعل أحدا كائنا من كان أن يسرق المطر من جيب معطفك.. افعل المستحيل لتعيد لنفسك خصوبة الأزهار.. اجعل البساطة سيدة الموقف.. اذهب «للبلد» وتجول كعاشق يحتار أي وجهة يختار فليس ثمة أجمل من التيه في أزقة «البلد» القديمة الملتوية بأعجوبة فكل ما فيها يسلب الروح ويلهب الشغف.. لا يمكن أن تشعر بالخوف والوحدة هناك.. فلو انشغل الآخرون عن وجودك يظل التاريخ ملازما لك هناك كظل يطمئنك برفقته حتى إذا وقفت على كتفك حمامة أو سمعت هديلها أطعمها من الحبوب التي في جيبك.. حمل الحبوب في الجيب ليس عارا هي عادة الكرماء.. كافئ نفسك بشراء شيء بسيط.. فاصل الباعة في الشراء ومد ذراعك لإيقاف تكسي يقلك للمنزل تنازل عن السائق والترف الذي عشته إلى قمة البساطة التي قد تعشقها.. اشتر جريدة الصباح وقلب صفحاتها بفرح.. جل السحر أن تجعل الكون يدور حولك وأنت ثابت لا تجعل الأحداث العطنة تنال من اتزانك اقرأ «لمشعل السديري»، فهذا الساخر العظيم الأنيق يجعل من يومك قطعة سكر في فنجان حياتك.. اجعل من كل يوم جديد قطرة سحر تحول كل ما هو عادي إلى حلم.. اجعل من ساعة الفجر عند ذهابك للمسجد أكثر بهاء من اليوم السابق.. اجتهد في قنص التفاصيل البديعة احفظها عن ظهر قلب، إن إعادة سرد وصف الجمال على الأصدقاء تحفة يحبها البشر.. لا تخف من زيادة الأعوام، زيادة الأعوام يفترض أن تزيدك فطنة ودهاء ومحبة للحياة وتدعوك للتصالح مع ذاتك.. حول زوجتك إلى عصفورة الصباح وحورية المساء، اشتر لها وردا غامق الحمرة وقدمه لها دون أي مناسبة.. فاجئها بأن تعد لها الإفطار في السرير.. حول عملك لهواية واغتنم اللحظة الكاملة ولا تدع الأوقات تمر هباء.. احضن أحفادك وقبلهم كثيرا ومرر أصابعك بين خصلات شعرهم اجعلهم يركضون حافين في منزلك هائمين فرحا.. تمتع بضجيجهم اشعرهم بالأمان والترحاب بمجرد رؤيتهم.. استمع لموسيقى «عمر خيرت» وبعض الشموع المعطرة ترتفع برائحتها حولك كلؤلؤ ملون.. اشتر أفضل التبغ فالحياة أغلى من أن تدخن تبغا رخيصا وانفخ في الهواء دوائر الدخان كجنية ترقص وتتمايل بشتى الأطواق.. لا تقف كخيال ظل لا حراك له ولا قدرة فتعود النفس على اللامبالاة وعدم التركيز.. المرء يعيش قدره الذي خلق له والحياة طريق واحد طال أو قصر، قد بدأ بمولدك فأحب بقيته للنهاية بالرضا بمهما كان فما ضاع منك أو فقد هو ليس لك.. لا تدع حياتك تمر هكذا عرضة للملل تقفز للنتائج ولا تهتم بالتفاصيل.. لا بد أن تعيش عالمك الخاص الذي تختاره بنفسك دون قيد أو اعتراض أن ترضى بالواقع وتجعله صديقا حميما لك بدلا من إصرارك على القيام ببطولة فيلم كرتون تقوم به بدور «توم وجيري»، مع الأيام حاول أن تكون «حرا».. بالتخلص من «الكراكيب» في حياتك اقرأ كتاب «عبودية الكراكيب»، هذا الكتاب مفيد في التخلص من الكراكيب بكافة أنواعها الجماد والبشر فالاحتفاظ بالأشياء الفائضة عن حاجة الكائن هو نوع من العبودية، لا يحصد منها الإنسان سوى التعب والصدأ الروحي كأنك تحمل عربات من الرمل على ظهرك، ولكي تشعر بطاقة روحية مزدهرة عليك أن تواجه أسباب عبوديتك وإطلاق سراح الأشياء التي لم تعد تستخدمها منذ زمن طويل، ففي ذلك استرداد للأجزاء الضائعة من الروح.. هذا الكتاب لا يعلمك ذلك فقط بل يعلمك حب الحياة.. يعلمك كيف تحبها حتى في أشد اللحظات قسوة ترمي لها بقبلة في الهواء متحديا لا عاتبا.. يعلمك كيف تعبر شارعا لم تعتد السير فيه.. وطريقة الرد على الهاتف.. وتطلب قهوة «موكا» أو شاهي بدلا من القهوة المرة من دون سكر التي اعتدت على تناولها.. يعلمك كيف أن زهرة نرجس واحدة قد تغنيك عن بقية الحقل.. ها أنا اليوم أنقل لك صورة لشخص سعيد تجاوز الستين.. ما رأيك ان تضع يدك اليمنى على صدرك ثم تقيس الأميال التي عشتها طوال حياتك بحثا عن السعادة.. ثم تعيد رسم ما تشاء.. بأي لون تشاء.. وأنت حر.. افعل بحياتك ما تشاء.. المهم ألا تعيش مشاعر معطلة كالأرض البور بلا أمطار ترويها.. عازفا عن الحياة..!!