في ذات يوم طرحت الأخت/ منى القاسمي، من أكاديميةِ الإبداع، سؤالاً: ما هي الحياة؟ وكيف نفهمها بشكلٍ جيد؟ مكثتُ طويلاً أفكرُ في سؤالِها، عن الحياةِ ولغزِها وكيف لنا أن نفهمَها جيداً ونحن لن نعيشها إلا مرةً واحدة على الأرض، الكثيرون كتبُوا عن «الحياة»: دع القلق وابدأ الحياة، عش حياتك، لوِّن حياتك، كيف تستمتع بحياتك وعملك.. الخ، ومع ذلك ستبقى الحياةُ لغزاً من الصعبِ أن نستطيعَ فكَ رموزها مهما بلغنا من العمرِ عتياً! الحياةُ هي حكايةٌ نعيشها بين أهمِ حدثين: نفخةُ روح... وخروجُ روح! الحياةُ هي مسيرةُ عمرِك بين أذانين: الأولى في الأذنِ اليمنى، والثانية لصلاةٍ مفروضةٍ تعقُبها صلاة لا ركوع فيها! الحياةُ هي أن تعيشَها وأنت تركضُ فيها ركض الوحوشِ في البرية بحثاً عن الرزق، لا تكادُ تهدأ ولا ترتاح، وقد يكون شقاؤك لغيرِك أكثرَ من استجلابِ الرزقِ لنفسك! الحياةُ هي أدوارٌ وشخصياتٌ تلعبُها ما بين مسير أو مخير! الحياةُ هي تلك المنظومة التي تعيشُها أنت، تظل طوال عمرك وأنت تجمعُ زادَك للآخرةِ وتزيدُ من حسناتِك في حقيبةٍ تُحكِم إغلاقَها من الأعلى وأنت ترجوُ المولى- عزَّ وجل- أن لا تفاجئ في الآخرةِ بأن قاعَها مثقوب! الحياةُ هي أن تفعلَ الخيرَ لأن اللهَ قد أمرك به فأطعته، وتفعل الشرَ- أيضاً- لأن الشيطان وسوسَ إليك فاتبعته! الحياةُ هي أن تعيشَ معها وأنت في كرٍ وفر، إن أقبلتَ عليها أدبرت عنك، وإن أدبرتَ عنها أقبلت عليك خاضعة! الحياةُ هي زرعٌ وحرثٌ لا ترى حصادَه الحقيقي إلا في الآخرة! الحياةُ هي جملةُ أيامٍ وليال، كلما ذهبَ يومٌ تكون قد ابتعدت عن «.....» وقرُبت إلى «......»! الحياةُ هي عباداتٌ وصلواتٌ وأوامر ونواه، وهي مزيجٌ من الرجاءِ والخوفِ: رجاءٌ في رحمتِه وجناتِه، وخوفٌ من سخطِه ونيرانِه! الحياةُ هي أزمانٌ وأمكنةٌ وأقوامٌ وكواكب ومجرات ومخلوقات وكائنات «ويخلق ما لا تعلمون» يحتارُ العقل البشري في معرفةِ سرِّ وجودِ الكثيرِ منها! الحياةُ هي أن تترجمَ الأمرَ الرباني (اعملوا) كما أمرَنا اللهُ في كتابِه الكريم، لا أن تستكينَ وتخلد للراحةِ لأنَّ الفرصة التي طرقت بابَك لم تُعجبك أو لأن رأسَك اشتعل شيباً! (ليقوشكينا) طبيبةٌ روسيةٌ في السابعةِ والثمانين من عمرها ما زالت تُجري مئات العمليات الجراحية بنجاح، وتُعد الأكبر سناً في روسيا، وواحدة من أقدمِ من مارسَ هذه المهنة في العالمِ كله، تقول عن نفسِها: أشعرُ بأن حالتي جيدة، وبمجرد دخولي غرفة العمليات أصبح كالحصان، أرى أن السرَّ في الحياةِ المديدة يتوقفُ على التصرفاتِ وعلى الحبِّ، إذا أحبَّ الإنسانُ شيئاً ما فإنه يهبُ حياتَه لذلك الشيء وهذا ما يُطيل حياته (انتهى). أؤمن كثيراً بتلك الحكمة التي تقول «إن بقاءَ شبابِ روح الإنسان لا ينتهي عند شيخوختِها، بل عندما يرغبُ هو بفنائِها»! الكتاب والأدباء كتبُوا كثيراً عن الحياة، أعجبني منها: * اهمس في أذن الحياة دائماً: لن أنحني ما دام الله معي. * لا حياة تحلو بلا صلاة. * في حياتك قم بتصميمِ المستقبل، بدلاً من ترميمِ الماضي. * الحياة قوسان () الأول مولدك والثاني وفاتك، فضع بينهما شيئاً ينفعُك يوم القيامة. * كن في الحياةِ كشاربِ القهوة، يستمتعُ بها رغم سوادها ومرارتها. * الحياةُ من ترابٍ على ترابٍ إلى ترابٍ. * لم أجد وصفاً للحياة، إلا أنها تجارب فإن لم تتعلم من الضربةِ الأولى فأنت تستحقُ الثانية! * الحياةُ ليست كما نريد وبالرغم من ذلك فنحن بكل انعطافاتِها سنجدُ أرجوحةً تُسعِدنا ولو قليلاً. في الختام: القرآن الكريم أعطانا حقيقةً تفصيليةً للحياة: (اعلَمُوا أنّمَا الحَياةُ الدُنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وتَفَاخُرٌ بَينَكُم وتَكَاثرٌ في الأَموَالِ والأَولادِ كَمَثلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصفَرَّاً ثم يَكُونُ حُطَامَاً وفِي الآخِرةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُروُرِ سَابِقوُا إِلَى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كعرض السَّمَاءِ والأَرضِ أُعِدت لِلَّذيِنَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذوُ الفَضلِ العَظِيمِ) سورة الحديد * خبيرة إدارية- تربوية