عند تتبع قصص الإرهابيين يلاحظ أن كثيرين منهم تم استدراجهم عبر إيهامهم أنه لا وسيلة لكي تغفر لهم جرائم ماضيهم إلا بأن يُقتلوا بما يتم إيهامهم أنه جهاد، وهذا مخالف لنص قول النبي عليه السلام حتى بالنسبة لشهداء الصحابة وفي معارك مشروعة، فكيف بمن عملياته أصلا غير مشروعة لكونها ضد مسلمين أو مدنيين؟ ففي الصحيح (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّيْن)، قال النووى «شرح صحيح مسلم ج13/ص29»: «أما قوله (إلا الدين) ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى». والمقصود بحقوق الناس هو كل واجب لهم عليه لم يؤده، وكل حد لهم مادي ومعنوي انتهكه، ففي الصحيح أيضا (إن المفلس يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). فأداء حقوق الله لا يكفر عن التفريط بحقوق الناس وأعظمها الدم. وروى البخاري لما قتل رجل كان يخدم النبي اسمه مدعم في عودتهم من غزوة خيبر وأثناء خدمته للنبي، فقال الناس هنيئا له الشهادة فقال رسول الله (كلا، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا). وتجرؤ محدثي التدين وقليلي العلم على الدماء وإن كان تحت راية اسم الله وشرعه وفي معارك حربية ليس ضمانا للنجاة والجنة، ففي الصحيح (ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقال له: في ماذا قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت. فيقول الله له: «كذبت».. ويقول الله: «بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذاك».. ثم قال: أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة) صححه الألباني/2382. والمعنى أن هناك من يحسب أنه جاهد وقتل في سبيل الله حتى أنه يقول هذا أمام الله ولا يعي أن محركه الحقيقي كان إرضاء غرور الأنا الفردية والجماعية، وإن كان هذا تحت شعار الجهاد في سبيل الله، لكن في داخل الشخص كان محركه الحقيقي هو غرور الأنا اللا واعي الذي يستبد بكل من لم يكرس ذاته بعلم الحكمة الذي كان سيبصره بحقائق دوافعه ومحركاته.