في مجتمعنا حتى اليوم، تفضيل الذكور على الإناث بإعطائهم الأولوية في كثير من منافع الدنيا، حتى إذا لم يرزق الأب من الذكور لا يسمى باسم ابنته الكبرى ويعطى اسم «أبو يعقوب». أصر على أصدقائي أن يدعوني باسم «أبو سهام» بكل فخر ومعزة فالبركة في البنات. قبل عدة سنوات أتت لي آخر العنقود (كما يقال) ابنتي السادسة وفاء وقدمت لي شهادتها للثانوية العامة وقالت لي: بابا أريد أن ألتحق بجامعة اسمها باسم صاحبتها الجليلة «عفت» يرحمها الله. وقبل أيام عقد قران هذه الابنة فحمدت الله على هذه النعمة التي رزقني إياها بست بنات أكبرهن سهام وأصغرهن وفاء، فمن سهامي إلى وفائي كن نعمة من عند الله كما قال الخالق: ﴿والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما﴾. وأثناء حفل عقد القران وصلتني من صديق أبيات بعنوان «مشاعر أب» كلماتها رقرقت عيوني دموعا ومشاعري فرحا وحزنا فقررت أن أبعث بها لكل أب عبر هذه الزاوية يقول الشاعر في مطلعها: أين الضجيج العذب والشغب أين التدارس شابه اللعب؟ أين الطفولة في توقدها، أين الدمى في الأرض والكتب؟ أين التشاكس دونما غرض، أين التشاكي ما له سبب؟ أين التباكي والتضاحك في وقت معا والحزن والطرب؟ أين التسابق في مجاورتي، شغفا إذا أكلوا وإن شربوا؟ يتزاحمون على مجالستي والقرب مني حيثما انقلبوا. يتوجهون بسوق فطرتهم نحوي إذا رهبوا وإن رغبوا، فنشيدهم: بابا إذا فرحوا، ووعيدهم: بابا إذا غضبوا، وهتافهم: بابا إذا ابتعدوا، ونجيهم: بابا إذا اقتربوا. بالأمس كانوا ملء منزلي، واليوم ويح اليوم قد ذهبوا. كأنما الصمت الذي هبطت أثقاله في الدار إذ غربوا، إغفاءة المحموم هدأتها فيها يشيع الهم والتعب. ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم في القلب ما شطوا وما قربوا. إني أراهم أينما التفتت نفسي وقد سكنوا وقد وثبوا، وأحس في خلدي تلاعبهم في الدار ليس ينالهم نصب، وبريق أعينهم إذا ظفروا، ودموع حرقتهم إذا غلبوا. في كل ركن منهم أثر وبكل زاوية لهم صخب. في النافذات زجاجها حطموا، في الحائط المدهون قد ثقبوا. في الباب قد كسروا مزالجه، وعليه قد رسموا وقد كتبوا. وأختم هذه الكلمات بقول الشاعر: أحب بناتي، فحب البنات فرض على كل نفس كريمة، لأن شعيبا لأجل بناته أخدمه الله موسى كليمه. استمتعوا بأولادكم وأحبابكم قبل أن يرحلوا أو ترحلوا. يكفيني شرفا بأن الله رزقني من جعلهن سببا لفضل عظيم تنفق من أجله الدنيا كلها ولا تدركه. للتواصل ((فاكس 0126079343))