ذهبت لزيارة صديقتي الأكثر قرباً إلى نفسي، لأستمتع بحديثها العذب، فرحبت بي وابتسامة ذابلة تصطنعها، ودمعة حائرة في عينيها تتلألأ، فتعجبت، بالأمس فقط تهاتفنا وكانت ضحكتها المجلجلة ترن في الهاتف بسعادة يا ترى ماذا ألمّ بها؟ عسى ألا يكون أصابها مكروه «لا سمح الله» وأخذت ضربات قلبي تتزايد، وبهمس: خير، إن شاء الله يا عالية؟ سحبتني من يدي إلى الداخل دون أن تنبسي ببنت شفة وأشارت إلى المقعد فجلست وجلست أمامي مطأطئة رأسها، وأخذت انتظر بلهفة أن تتكلم وعبثاً حاولت. نفد صبري وصرخت بصوت عال ما بك؟؟ أهناك ما يسوء؟ وهنا تدفقت الدمعة الحائرة تتبعها دموع غزيرات وقالت: لقد رزق أخي منذ أسبوعين بمولودة وعندما رأيتها صرخت مهللة مكبرة وقلت (فاطمة) اسمها فاطمة على اسم أمي (رحمها الله) حتى يتسنى لي كل ما لاعبتها الترحم على أمي الحنون التي فارقت الحياة في ريعان الشباب، كنوع من الوفاء، من رد الجميل، من الاحسان (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، سكت أخي ولم ينطق. أخذت اسأل يومياً: هل سجلت المولودة؟ ولا مجيب! وبعد أسبوع أرسلت لأخي رسالة أرجوه وأتوسله أن يسمي المولودة وهي الأولى في العائلة باسم (فاطمة) فهو اسم رائع لا يقدم على مر الأزمان، ففاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وسلم) سيدة نساء أهل الجنة بنت خير من وطأت قدمه الثرى، زوجة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفارس الإمام الهمام، أم الحسن والحسين سيدا شباب الجنة، هو اسم لا يبلى ولا يتقادم بتقادم الأزمان، هو شرف لمن تحمله، وعلى الإنسان العاقل أن يختار لأبنائه وبناته أفضل الأسماء. ولو لم يكن من فضله غير أن أمناً تسمت به لكفاه وصمتت قليلاً ودموعها تسابق الواحدة منها الأخرى وأنا انظر إليها لم أفهم شيئاً مطالبة إياها بعيني الاستزادة للتوضيح، لأعرف سبب هذا السيل المنهمر من الدموع، تابعت تعرفين وبغصة ومرارة تبتلعها وهي تكمل (تعرفين أني عقيم) وكلمسة حانية منه، وجبراً لخاطري أن يسمي رغبتي، لم أطلب منه أن يسمي اسمي بل اسم أمه التي منحته الحياة بعد الله، أن يحيي اسمها وذكراها، كل من حولي من المعارف والأقارب أسمى أولاده وبناته بأسماء الأمهات والآباء وبعضهم أضاف اخوانه والأخوات.. هذه عاداتنا إحياء أسماء الآباء والأمهات رداً لمعروفهما، وبراً بهما وبتعجب ظاهر تساءلت: لمَ في رأيك دون الآخرين افتقد اخوتي الوفاء!؟ يا للأسف وشهقت وهي تبلع دموعها نحن في زمن المسخ، في زمن اللازمن، في زمن أشباه الرجال، في زمن (النساء) لم يعد للرجل هيبة وكرامة، ترينه تابعاً كالناقة الزوجة متحكمة في الزوج تماماً تماماً. لم تقبل زوجته باسم أمه قالت: قديم وغير جميل، تريد اسماً حديثاً من الأسماء الجوفاء التي لا تحمل معنى لا طعم لها ولا عمق (مالا - تالا - لمار - دمار الخ) لم يستطع أخي ان يحقق لي رغبة وحيدة طلبتها منه في عمري كله، بئس الأخ، وبئست الاخوة. فتدخلت لأهدِّىء من انفعالها قائلة: أنت تبالغين في حساسيتك يا عزيزتي، هي ابنتهم وهم أحرار في اختيار الاسم الذي يرونه مناسباً لها ثم ما الفائدة التي ستعود عليك من اسمها وعلى العموم للمرء نصيب من اسمه يتبعه خيره وبركته أو شره وشؤمه ومداعبة لها قلت: ألا تودين ضيافتي؟ أم تريدين التهرب من عصير البرتقال الطازج الذي أحبه؟ ابتسمت بحزن وتوجهت للمطبخ وأنا أتبعها وسمعتها وهي تتمتم بصوت خفيض ليت أمي لم تنجب.