مع نهاية 2015، احتدم الجدل بألمانيا حول إصدار الطبعة الجديدة لكتاب «كفاحي» لأدولف هتلر التي كانت نتيجة بحث لأعوام من قبل معهد التاريخ المعاصر بميونيخ، حيث قرر هذا الأخير إصدار كتاب «كفاحي» الذي كتب من قبل مؤسس النازية أدولف هتلر بثماني سنوات قبل توليه منصب قيادة ألمانيا في يناير كانون الثاني عام 1933، ولكن بعنوان جديد وبقراءة ودراسة نقدية للنص الأصلي. وبعد جدل كبير بألمانيا حول إصدار الكتاب، استطاع المؤرخون والمختصون في الحركات الناشطة بألمانيا والعالم الدفع بذلك لإصدار الكتاب في طبعة نقدية مرفقة بشروحات للمنظومة والمفاهيم التي جاء بها مؤسس النازية في كتابه «كفاحي» والمعادية للسامية. وأوكل العمل لمعهد التاريخ المعاصر بميونيخ، بإشراف مديره العام أندرياس وارشينغ، وتولى المسؤولية البحثية والتحريرية المؤرخ الألماني كريستيان هارتمان، الذي أشرف على الطبعة النقدية طيلة ست سنوات. «عكاظ» تواصلت في مكالمة هاتفية مع مدير مشروع الطبعة النقدية المؤرخ المسيحي كريستيان هارتمان، حيث قال «إن الطبعة التي تحمل عنوان (هتلر، كفاحي)، هي طبعة نقدية، جاءت نتيجة عمل طويل مع ثلاثة زملاء وبدأنا فيه منذ 2009». وأضاف أن كتاب «كفاحي» لهتلر ليس فقط وثيقة تاريخية، ولكنه رمز أصبح له تأثيره على الشباب والحركات الناشطة المتطرفة.. وهو الإشكال الكبير الذي كان يجب أن نتعامل معه بحذر ويقظة.. لأن الكثير من الحركات المتطرفة، تبنت المفاهيم والقيم التي ذكرها أدولف هتلر في مؤلفه «كفاحي» وهذه الحركات طالبت بإعادة نشر الكتاب نفسه. وكان لابد علينا مواجهة الأمر بعمل موثق وعميق، وهو ما سعينا له في معهد التاريخ المعاصر مع زملائي المؤرخين». الإصدار الجديد يقول كريستيان هارتمان ل «عكاظ»، هو دراسة نقدية منقحة ومعمقة حول النص الأصلي لأدولف هتلر، وهو كشف للجوانب الخفية للنص الذي كانت كل كلمة فيه مفخخة بمفاهيم ومصطلحات تحث على العداء والعنصرية. وكان يجب تفكيك سلطة المفاهيم التي غلبت على النص في شكل هوامش التي قد تسمح بدراسات أخرى تأتي مستقبلا من قبل المختصين، لأن العمل هو أكاديمي بحثي وليس نص أدبي.». الطبعة النقدية لكتاب «كفاحي» الصادرة بميونيخ الألمانية ضمت مجلدين بعدد 1948 صفحة، رافقتها هوامش تحوي 3500 تعليق، يشرح من خلالها المؤرخون ما ورد من مصطلحات ومفاهيم في النص الأصلي، الذي يحكي الصفحات التاريخية السوداء لألمانيا النازية، وعرض لنطريات هتلر حول تصوره للنظام النازي الذي سيحكم به البلاد. وقد حدد السعر الذي سينزل به لسوق الكتاب ب 59 يورو . المؤرخ كريستيان هارتمان، صرح في ندوة صحافية بميونيخ أن «كتاب هتلر «كفاحي» الطبعة النقدية «ليس موجها للجمهور العام، بل هو نتيجة عمل طويل وموثق قام به رفقة ثلاثة من زملائه منذ عام 2009.»، وبالنسبة لمدير معهد التاريخ المعاصر بميونيخ أندرياس وارشينغ، فإن الطبعة النقدية كان لابد منها لمحو أثار تلك الأسطورة التي كانت تتبنى أفكارها وقيمها شرائح ومجتمعات وحركات وأصبحت تشكل خطرا على المجتمعات في العالم بأسره.. فالإضافة التي جاءت بها الطبعة في العمق، يقول أندرياس وارشينغ، هي الهوامش التي قدرت بنحو 3500 تعليق، حيث لم تكتف بشرح محتويات هذه أو تلك الفقرة من النص الأصلي ل «كفاحي» الذي كثيرا ما بدا مبهما أو حتى محاولة وضعه في سياقة التاريخي، ولكن هذه الهوامش جاءت لتبرز ما حدث بوجود هتلر في السلطة». ولأن ملكية وحقوق كتاب هتلر كانت بحوزة ولاية بافاريا منذ عام 1945، فقد فاوضت سلطات ميونيخ مع السلطات البافارية من أجل التنازل عن الملكية. وسقطت فعلا الحقوق في الملكية العامة في 31 ديسمبر 2015. وتبنت سلطة بافاريا مشروع إعادة الطبع بتقديم الدعم المالي المباشر لمعهد التاريخ المعاصر بميونيخ ولكن سرعان ما تراجعت عن ذلك في 2013 بعد زيارة أحد المسؤولين البافاريين لإسرائيل واكتفت سلطات ميونيخ بتقديم منحة لمعهد التاريخ المعاصر بعد سلسلة انتقادات وجهت للحكومة الألمانية من قبل الحكومة الإسرائيلية. المؤرخ البريطاني إيان كيرشو، الذي قدم دعمه الكبير لمدير معهد التاريخ المعاصر ولمدير مشروع الطبعة النقدية لكتاب هتلر «كفاحي»،بعد سلسلة الهجمات التي شنت على المعهد، ذكر أن كتاب «كفاحي» الذي تم توزيعه سنة 1933، بيعت منه 12.4 مليون نسخة قبل عام 1945. مما يؤكد أن نجاح هتلر في الانتخابات، حسب المؤرخ البريطاني، ليس سببه ما جاء في كتابه «كفاحي»، ولكن نتيجة اعتماده على خطاب حماسي، أجج من خلاله قيم معادية للسامية وموسمة للنازية. وأنه حان الوقت لتقديم عمل أكاديمي، يؤسس على دراسات معمقة لتلك الإديولوجية التي بثها هتلر في كتابه وأصبحت «عقيدة» يتبناها الكثير من الأجيال الحالية. كتاب أدولف هتلر، «كفاحي»، الذي يعتبر وثيقة تاريخية، ظل محظورا في بعض البلدان، كونه يحث على الكراهية ومعاداة السامية. إلا أنه ظل حاضرا في رفوف المكتبات الفرنسية منذ سنة 1934، حيث ترجم ونشر في فرنسا. ورغم رفض المختصين للترجمة ووصفها بالرديئة جدا، إلا أنه ظل يحوز مكانا في رفوف المكتبات الفرنسية وأعيد طبعه عدة مرات. مع الإشارة المقتضبة من قبل الناشرين للمحتوى في بداية النسخ المطبوعة. «دار فايار» الفرنسية، حصدت حقوق الترجمة للطبعة الجديدة التي أصدرها معهد التاريخ المعاصر بميونخ وسيتم إصداره في فرنسا في هذه السنة، وبنفس مواصفات الطبعة الأصلية أي النص وملحق الهوامش بمجلدين. أندرياس وارشينغ، مدير معهد التاريخ المعاصر بميونيخ، وفي تصريح هاتفي ل «عكاظ» قال إن المعهد تلقى الكثير من الطلبات لترجمة الكتاب «الدراسة» إلى عدة لغات. حيث قال «تلقينا عروضا مكثفة من أجل ترجمة المؤلف «الدراسة»، وحظي باهتمام كبير من قبل دور النشر الفرنسية التي سبق وأن ترجمت كتاب «كفاحي» للفرنسية وهو موجود في سوق الكتاب الفرنسي، لكن حصدت «دار فايار» حقوق الترجمة وسيتم إصداره في غضون هذا العام 2016». كما يضيف «تلقينا طلبات من دور نشر إيطالية ومؤسسات أكاديمية وهيئات نظامية، كما تلقينا أيضا طلبات من دور نشر تركية، وبولونية، وعربية، لكن لم نفصل بعد في الجهة التي ستترجم الكتاب إلى العربية..».