لم تفاجئ الاعتداءات الإيرانية على مقرات البعثات الدبلوماسية السعودية على أراضيها أحداً، بل أكدت حقيقة أن النظام الإيراني «لا يستحي» من خرق المواثيق والمعاهدات الدولية وانتهاكها، وتدنيس قيمها ومعانيها. وعلى خلاف ما نص عليه ميثاق الأممالمتحدة في ديباجته، من عزم الموقعين على الميثاق على: «أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي»، فإن النظام الإيراني الحالي أبدى منذ العام 1979 إلى اليوم عزمه على أن يأخذ نفسه بالكراهية، وأن يعيش مع جيرانه في حروب وعداء، وأن يسخر قواه للإخلال بالأمن والسلم الدولي. ومارس النظام الإيراني منذ يومه الأول انتهاكاته لمقاصد هيئة الأمم ومبادئها، ومنها: «إنماء العلاقات الودية بين الأمم»، وكرس كل قواه المادية والمعنوية، عبر جيشه وحرسه الثوري، وأجهزة مخابراته وميليشياته التابعة والعميلة، ومن يقتل الشعوب وينشر الفتن والخراب في دول الجوار وغيرها لا يعرف معنى العلاقات الودية. ولم يحترم النظام الإيراني باعتراض «اللا مسؤولين» فيه على إقدام المملكة العربية السعودية على تنفيذ حكم القصاص في مواطن من مواطنيها، مبادئ استقلال الدول وسيادتها على أرضها وشعبها، والاحترام المتبادل، ومنع التدخل في شؤون الدول الداخلية، وفق المبادئ المقررة على الدول الأعضاء في هيئة الأممالمتحدة، ومنها مبدأ «المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء». وكان من الواجب على النظام الإيراني، الذي خرجت من رحمه المحاكم الثورية، التي أعدمت الآلاف من أبناء الشعب الإيراني في محاكم صورية لم تتوافر للمتهمين فيها أدنى الضمانات القانونية لقيام محاكمات عادلة، أن يحترم قضاء الآخرين، وأن يستحي من تاريخه الدموي الذي كتب بأيدي قضاة مثل «القاضي الأحمر» أو «الجزار» صادق خلخالي ورفاقه. وإذا كان من صميم المبادئ الواردة في ميثاق الأممالمتحدة، أنه «ليس في هذا الميثاق ما يسوغ «للأمم المتحدة» أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما..»، فمن باب أولى أن يسري هذا الالتزام على الدول الأعضاء، إلا إذا كانت دولة مثل إيران تعتبر نفسها في حل من أي التزام قانوني يفرضه توقيعها على الميثاق، وعلى غيره من المعاهدات والمواثيق والقواعد المشرعة للقانون الدولي والمنظمة للعلاقات الدولية. وتعد حالة الاعتداء على مقرات البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران واحدة من حالات الانتهاك الإيراني الجسيمة والصارخة للقانون الدولي، وتحديدا ل «اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961»، وهي من الاتفاقيات التي تتمتع إيران بحقوقها، وتعمد إلى تجاهل الالتزام بواجباتها، ما وجدت إلى ذلك سبيلا. وعن هذه الحالة، نصت اتفاقية فيينا في المادة (22) بوضوح صريح غير قابل لأي لبس، على أن «تتمتع مباني البعثة بالحُرمة. وليس لممثلي الحكومة المعتمد لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة»، وأن «على الدولة المُعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها»، كما نبهت المادة (24) من الاتفاقية نفسها إلى أن «لمحفوظات ووثائق البعثة حرمتها في كل وقت وأينما كانت». إلا أنه، وكما أظهرت المقاطع المصورة والصور الفوتوغرافية المتداولة، فإن النظام الإيراني تجاهل تماماً نصوص هذه المواد، وأخل عمداً بالتزامه بتوفير الحماية اللازمة لأمن وسلامة البعثة الدبلوماسية السعودية، ولم يمنع إن لم يكن سهّل اقتحام المخربين لمباني البعثة والإضرار بها. وإذا كان «مبدأ المعاملة بالمثل» من المبادئ المتعارف عليها في القانون الدولي، فإن النظام الإيراني لا يبدو قلقاً من تعرض ممثلياته الدبلوماسية في المملكة لمعاملة مماثلة لتلك التي تعرضت لها الممثليات الدبلوماسية السعودية لديها، لأنه يوجد فرق بين «من يستحي» ومن «لا يستحي»، والنظام الإيراني الحالي: «نظام لا يستحي». ختاماً، كاتب هذا المقال «يستحي» أن يختمه دون أن يشير إلى أن العنوان مستوحى من عنوان قصيدة «نحن شعب لا يستحي»، جرى تداول مقطع صوتي لها، ونسبت لشاعر عراقي يدعى أحمد النعيمي، وثمة مزاعم، لا يمكن التحقق منها بصورة مستقلة، عن إعدامه في إيران، وسواءً صح ذلك أم لم يصح، فإن النظام الإيراني «لا يستحي» عن فعل مثل ذلك.