قامت العلاقات بين الدول منذ القدم على وجوب الاحترام المتبادل للبعثات بين جميع أطراف تلك العلاقات الدولية، حيث كان يجوب رسل وممثلو كل دولة جميع دول العالم بحرية تامة وبدون أي قيود منذ القدم. وفي يوم 18 أبريل 1961م، تم توقيع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بعد مراحل عدة مرت بها لحين الوصول بنصوص هذه الاتفاقية بالشكل الحالي، والتي أتت لترسخ آليات وطرق التعامل الدبلوماسي بين الدول في العصر الحديث. ولقد تضمنت هذه الاتفاقية التي وقعت عليها جميع دول العالم تقريباً التزامات قانونية في إطار القانون الدولي تقع على عاتق الدولة المستضيفة تجاه أعضاء البعثة الدبلوماسية المعتمدين لديها، ومبانيها، ومراسلاتها، واتصالاتها..الخ . كذلك أوضحت هذه الاتفاقية العديد من الإجراءات القانونية التي لابد من اتباعها في حالات ومواقف مختلفة والتي تقيد الدولة المستضيفة بشكل كبير في التعامل مع البعثات الدبلوماسية المعتمدين لديها. ومن خلال النظر الى حادثه اقتحام مباني السفارة السعودية في إيران والاعتداء على ممتلكاتها وفقاً لإطار اتفاقية فيينا، فإن ذلك يعد خرقاً واضحاً وصريحاً لقواعد هذه الاتفاقية الراسخة والثابتة بشكل خاص وللقانون الدولي بشكل عام. فلقد نصت المادة الثانية والعشرون من هذه الاتفاقية "والتي وقعت عليها إيران والملتزمة دولياً بقواعدها"، بحرمانية مباني البعثات الدبلوماسية وعدم أحقية أي شخص من دخولها بمن فيهم مسؤولو تلك الدولة المستضيفة بدون الحصول على إذن من رئيس البعثة الدبلوماسية. ونصت أيضاً هذه المادة بكل وضوح على التزام صريح على الدولة المستضيفة للبعثة الدبلوماسية بضرورة أن تلتزم بحماية تلك المباني من الاقتحام تحت أي ظرف أو ذريعة أو الإضرار بها، أو حتى ممارسة أي نوع من الأهانة لتلك المباني. ولعل كل ذلك التركيز على حرمة المباني الخاصة بالبعثة الدبلوماسية، لأنها تعتبر وفقاً لإطار هذه الاتفاقية والقانون الدولي جزءا من أراضي الدولة والتي لها الحق في فرض سيادتها الكاملة عليها وبدون أي معوقات أيا كانت وتحت أي مسمى أو وصف. إن قائمة المحرمات لم تقتصر على المباني فقط، بل شملت كذلك جميع المفروشات أو أي شيء منقول داخل تلك المباني أو وسائل المواصلات أو حتى منازل أعضاء البعثة الدبلوماسية أو غير ذلك مما هو موجود داخل تلك المباني الخاصة بالبعثة الدبلوماسية بأن جعلتها هذه الاتفاقية محرمة من الاستيلاء عليها أو التفتيش أو حتى الحجز عليها ولو بأمر قضائي. كما نصت المادة الرابعة والعشرون من نفس الاتفاقية على حرمة المحفوظات والوثائق الخاصة بالبعثة الدبلوماسية في أي وقت وأينما كان. ولقد وقعت إيران في مخالفة وخرق واضح وصريح لهذه الاتفاقية ولإطار القانون الدولي، فإيران لم تتخذ الإجراءات الأمنية والوقائية اللازمة لحماية مباني البعثة الدبلوماسية السعودية بإيران بالشكل اللازم والمطلوب سواء من الاقتحام أو الاتلاف بها وبمحتوياتها أو حتى إهانة وتدنيس تلك المباني بدخولها بدون إذن رئيس البعثة الدبلوماسية. كذلك لم تقم بأي عمليات اعتقال لمن قاموا بهذا الاقتحام والإتلاف لتقديمهم للعداله وفقاً للالتزامات القانونية والدولية الموقعة عليها، وهذا يؤكد على وجود فشل أمني كبير من قبل النظام الإيراني في حماية مصالح الدول الاخرى داخل أراضيها ووفقاً لإطار القانون الدولي أو وجود حالة من حالات القبول والرضا بغض الطرف لاقتحام تلك المباني وإتلافها، وفي كلتا الحالتين فإيران عليها الإدانة الكاملة فيما يخص هذا الاقتحام والإتلاف. وفي المقابل، لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتعامل بالمثل مع إيران كأحد المبادئ الراسخة في القانون الدولي، بل تعاملت من منطلق قانوني ودبلوماسي صحيح بأن اتخذت حقها القانوني وفقاً لمصالحها العليا وفي إطار هذه الاتفاقية والقانون الدولي بطرد أعضاء البعثة الدبلوماسية من المملكة، وهو ما يؤكد التزام المملكة بالقواعد القانونية التي رسختها هذه الاتفاقية والقانون الدولي. وأعتقد أن على المملكة الأن أن تعمل من خلال محوريين رئيسيين، المحور الأول إعلامي والثاني قانوني. ففيما يخص المحور الأول، أنه لابد أن يكون هناك رسائل موجهة من خلال الإعلام الدولي من أجل إظهار هذا التعدي الذي حدث لمباني البعثة الدبلوماسية السعودية بإيران، والذي لم يكن الاعتداء الأول على البعثات الدبلوماسية داخل إيران والذي يؤكد وبشكل قوي على عدم احترام إيران لمعاهدة فيينا والقانون الدولي العام. أما المحور الثاني القانوني، فلابد من البدء باتخاذ الاجراءات القانونية وفقاً لإطار القانون الدولي ضد إيران بالتوجه الى الأممالمتحدة والأجهزة الدولية الأخرى من أجل تثبيت هذا الخرق من اقتحام مباني البعثة الدبلوماسية السعودية بإيران أمام المجتمع الدولي من أجل حماية حقوق المملكة المكتسبة بموجب المعاهدات والاتفاقيات الدولية. وأخيراً، أود الإشار الى أنه على إيران الالتزام بحكم نص المادة الخامسة والأربعين من هذه الاتفاقية والتي أوضحت الالتزامات التي تقع على عاتق الدولة المستضيفة في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية، وهي ضرورة المحافظة على مباني ومنقولات وممتلكات البعثة الدبلوماسية السعودية بإيران وكذلك منازل ومنقولات منسوبيها التي كانت بحوزتهم والذين غادروا مقر البعثة الدبلوماسية. *محام وأكاديمي