قطعت السعودية علاقتها مع إيران على إثر إحراق قوات الباسيج للسفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، والذي عبرت عنه قيادات إيرانية زورا بأنه غضب شعبي، والجميع يعرف أن من قام به هو قوات «الباسيج» والتي تعني قوات التعبئة العامة، هذه العملية الإرهابية تلت إعلان السعودية لإعدام 47 إرهابيا، وما أغضب إيران تحديدا هو إعدام وكيل ولاية الفقيه في السعودية نمر النمر. وفي مجمل الأحداث الثلاثة (الإعدامات، حرق الممثليات الديبلوماسية، قطع العلاقات)، رسائل من السعودية وإيران، بعضها ما هو مباشر بين الطرفين وبعضها موجة لأطراف أخرى، الإعدامات مثلت رسالة واضحة من المملكة العربية السعودية للقوى الغربية عن جديتها في التصدي للإرهاب، سواء أمريكا التي تصمت عن كل الممارسات الإيرانية من أجل إنجاح الاتفاق النووي، أو فرنسا التي اهتزت كثيرا بعد الأحداث الإرهابية واختلت بوصلتها في محاربة الإرهاب. وإذا ما أضفنا لخطوة الإعدامات ما سبقها من إعلان المملكة لتشكيل تحالف إسلامي للتصدي للإرهاب بمعزل عن إيران، فهذا توضيح للعالم أيضا أن القضاء على الإرهاب لا يكون بالتعاون مع إيران، بل بالتصدي لممارساتها التي تبذر للإرهاب في أماكن متعددة من العالم العربي، حيث كان نوري المالكي سببا رئيسيا لوجود داعش في العراق، ووجود أكثر من خمسين ميليشيا شيعية تابعة لإيران، كما أن الإبقاء على بشار الأسد سبب للمأساة الإنسانية التي تعيشها سوريا، والتي جعلتها مغناطيسا للإرهابيين السنة والشيعة على السواء وعلى رأسها التنظيم الإرهابي الأخطر حزب الله، والوضع في اليمن مع الحوثيين لا يختلف كثيرا. حرق الممثليات السعودية في إيران، كان سوء تقدير إيراني لردات الفعل السعودية والعربية وكذلك الدولية، وبدلا من أن تستطيع الاستمرار في تسويق المملكة كشيطان أكبر بديل للولايات المتحدة، ركعتها هذة الحماقة والتي مثلت نكثا لاتفاق فينا لعام 1961 والذي ينص على واجب الدول في حماية الممثليات الديبلوماسية والبعثات، وكان تركيع إيران عبر اعتذارها المهين لمجلس الأمن وتأكيدها أن هذا الأمر لن يتكرر، وبالطبع هذا المشهد ذكر الأمريكان باقتحام سفارتهم سنة 1979 وذكر البريطانيين بالاعتداء على سفارتهم في 2011، مما عزز فكرة مراهقة إيران الثورة وأنها لم تنضج كدولة بعد. بعد حرق الممثليات، قامت إيران بنفس الدرجة من الحماقة بتذكية ذاكرة المصريين، عبر تسمية الشارع الذي تقع فيه القنصلية السعودية باسم «نمر النمر»، وهو ما يعيد إلى المصريين تسمية إيران لشارع باسم الإرهابي «خالد الإسلامبولي» والذي اغتال الرئيس أنور السادات، وهي رسالة ضد الصوت الإعلامي الذي استثمرت فيه إيران في مصر، والذي يدعو دوما للتقارب مع إيران والحفاظ على منطقة وسط بين السعودية وإيران، وربما ينعش الذاكرة المصرية أيضا بخلية حزب الله التي اعتقلتها الأجهزة الأمنية المصرية في 2010. الخطوة الثالثة وهي قطع العلاقات مع إيران، لم تكن في ظني رسالة موجهة لإيران في المقام الأول، بل هي رسالة للولايات المتحدة التي ترى أن الاتفاق النووي مع إيران، سيعيد إيران للحظيرة الدولية وقد يهذب ممارساتها لتتحول إلى دولة طبيعية، وهذا النهج الذي يقتنع به أوباما والذي مثل فشلا حقيقيا لأمريكا خصوصا في سوريا، وصولا إلى العار المتمثل في مجاعة مضايا، حيث أدت قناعته تلك إلى موت كل معنى للقيم الأمريكية من ديموقراطية إلى حقوق إنسان، ناهيك عن الإهانة الأمريكية المتمثلة بالعربدة الروسية من أوكرانيا إلى سوريا، وصولا إلى تطوير إيران لصواريخ بالستية وتطوير كوريا الشمالية لقنبلة هيدروجينية، بالتالي هناك شعور عام بأن القطب الأوحد لم يعد له أنياب. هذا العبث الذي بدأ منذ 2001 عبر غزو أفغانستان وإسقاط طالبان ثم نظام البعث في العراق 2003، وهما أكبر خصمين سنيين لإيران، وصولا إلى البؤر المشتعلة في سورياوالعراق واليمن وليبيا، جعل الذهنية الأمريكية تتجه لفكرة سايكس بيكو جديدة، يقوم على تقسيم المقسم، معتقدين أن التعايش غير ممكن بين الطوائف والإثنيات في سورياوالعراق، ولا مانع من أن تكون أمريكا عسكري المنطقة ما دامت تقاتل بمليشياتها على الأرض عوضا عنها. من هنا تكون الرسالة السعودية لقطع العلاقات في تقديري، تعبيرا عن مشروع بديل للمشروع الإيراني في المنطقة وهو مشروع الميليشيا، المشروع السعودي هو مشروع الدولة وصولا إلى مشروع التكامل الخليجي والعربي والإسلامي، وبالتالي هو «سايس بلاكو» وبدون تدخلات إيران العبثية التي تؤدي بالنتيجة لتوفير بيئة للإرهاب ولزرع ميليشيا في كل دولة تنقض بالأساس فكرة الدولة، أو تجعلها دولة مهترئة -مثل لبنان- لا تستطيع أن تختار رئيسا بعد 34 اجتماعا لمجلس النواب، ومرور أكثر من عام ونصف على الشغور الرئاسي، فقط لأن سماحة السيد لم يمنح الإذن من وكيل الولي الفقيه بعد. [email protected] Twitter : @aAltrairi