لم تتوقع إيران أن تفضي عملية الاعتداء على مقرات البعثة الدبلوماسية السعودية الى هذه النتيجة، فقد اضطرت للاعتذار في الاممالمتحدة، وواجهت عاصفة من الاستنكار، والشجب واستدعاء السفراء، لتظهر إيران بمظهر الدولة غير المسؤولة أمام العالم، دولة تعتدي على ضيوفها، وتخرق القوانين الدولية ولا تحترمها، ما دفع البعض للطعن بأهليتها في المحافظة على البعثات الدبلوماسية، وتزامن ذلك مع رصيد سلبي سابق في الاعتداء على البعثات الدبلوماسية، لتستعاد هذه الصور مرة واحدة، ولتصبح إيران التي تستعد للتأهيل الدولي، دولة غير متحضرة. هذه الواقعة، وإن كانت إيران تهدف إلى الإساءة للمملكة من خلال اقتحام مقراتها، ومن خلال رفضها الاستجابة لطلبات البعثة الدبلوماسية بالتدخل، برزت وحدات الباسيج الايراني، متخلفة في سلوكها، وعقيمة في تفكيرها، جلبت على ايران عاصفة من الانتقاد، لم تستطع وزارة الخارجية مواجهتها، وكان اقصر الطرق، تقديم الاعتذار، لكنه اعتذار لا يغني ولا يسمن من جوع، لان الاعتداء على السفارات هو اعتداء على السيادة، وهو شكل من اشكال الحرب. إيران التي ظهرت اكثر تخبطا في سلوكها، رغم تفاخرها الدائم بأنها لا تقدم على اي خطوة دون معرفة اثارها، وتداعياتها المحتملة، الا ان غلطة الشاطر، واستهتاره هذه المرة، قادها الى الاممالمتحدة، معتذرة ومنكسرة، ولعل السبب في هذا التخبط، ليس انها تفاجأت بمن قام بحرق السفارة والاعتداء عليها، وانما كشفت الاحداث بأن ايران متخلفة من الناحية السياسية والمعلوماتية، وتعيش وهم الانتصارات والقوة، وإنها مهيوبة الجانب دائما، غير ان ايران لم تعتد على الصدمة السعودية، الا مع مجيء الملك سلمان، والذي احدث انتقالة كبيرة في السياسة الخارجية السعودية، السياسة التي وجدت بأن التراجع الامريكي في المنطقة فرض نفسه عليها ودول الخليج والدول العربية، لملء الفراغ الناشئ، وان ما اعتادت عليه ايران، اصبح هذه المرة من الماضي، فكانت عاصفة الحزم، واعدام نمر النمر، من الامور التي لم تتوقعها ايران، رغم ان المؤشرات كانت كثيرة وعديدة. ايران لم تقرأ جيدا المتغيرات العالمية والاقليمية وان ظلت تؤكد أن امريكا تتراجع، غير انها لم تلحظ أن التراجع الامريكي دعا القيادة السعودية، لان تكون قوة سياسية صارمة لا تقبل التأجيل والمهادنة، وهو ما لم تعتده ايران في السابق، مما افقدها بعضا من رشدها، والذي جعلها تتعثر وتشتبك والمجتمع الدولي هذه المرة، كدولة شريرة لا تملك الاهلية في الدفاع عن البعثات الدبلوماسية. وجاء رد الفعل السعودي صارما هذه المرة، فبعد تأمين أفراد البعثة الدبلوماسية، وتثبيت الاتصالات مع وزارة الخارجية الايرانية، بضرورة حماية المقرات، وفي ثنايا منتصف الليل كان القرار واضحا ومباشرا، قررنا قطع العلاقات الدبلوماسية، والاقتصادية، ولدول الخليج ان تقرر فيما اذا وجدت ان تحذو حذو المملكة، وكرت السبحة الخليجية بين الاحتجاج، وتخفيض البعثة، وسحب السفراء وقطع العلاقات، لتصبح ايران مادة الاعلام العالمي، ولتعادة اخبار ايران السابقة الى الصدارة والواجهة. الخبراء في مجالي السياسة والامن، أكدوا أن غياب القوة الامريكية في المنطقة، واستخفاف ايران بدول المنطقة، كان من العناصر الرئيسة الدافعة لقيام هذه الدول بزمام المبادرة لحماية أمنها القومي، وان من فوجئ بالموقف السعودي والخليجي، عليه ان يعيد مراجعة التحرك السياسي والدبلوماسي السعودي والخليجي خلال الاشهر الماضية، ليجد أن هناك عملا سياسيا استثنائيا قادته المملكة باتجاه دعم امكاناتها وتحالفاتها في سبيل الدفاع عن مصالحها ودول المنطقة. القراءة السعودية الاستراتيجية، كانت تنظر بدقة واهتمام لحركة التحولات الاقليمية والدولية، والداخلية لبعض الدول، والنشاط السياسي والدبلوماسي والاستخباري المكثف، والذي مكن المملكة من تربيط علاقاتها الاستراتيجية بدول رئيسة عالميا واقليمياً، غير انها ظلت حريصة دائما على ان هذا الحراك ليس له بعد طائفي، بل انه حراك على عدة اتجاهات في محاربة الارهاب، بدلا من ان تظل ايران وادواتها تلوك في الاعلام، اتهامات للمملكة ولقطر بدعم الارهاب، حتى اتضح للعالم، بأن ايران لا يمكنها الدخول في التحالف الاسلامي، فمن يدعم الارهاب ويؤوي الارهابيين، لا يمكنه محاربتهم ومواجهتهم. ولعل الملفت للانتباه، الى ان الرياض ورغم الاشارات الايجابية نحو ايران، في أكثر من مناسبة، الا انها كانت على قناعة تامة بأن ايران ليست في وارد تحسين وتطوير العلاقات، والالتزام باحترام علاقات حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لا بل على العكس من ذلك تماما أظهرت ايران نموذجا صارخا للغطرسة والتفاخر بقدرتهم على ملء الفراغ الناشئ في المنطقة بغياب الادارة الامريكية، ورغم ان التصريحات السعودية كانت تؤكد على ان ايران دولة مهمة ومحورية في المنطقة، الا ان ايران، كانت تفهم أن دورها المحوري والفاعل لا يكون الا بالهيمنة على المنطقة وباعتراف عالمي، وهو ما دفع دول المنطقة لمواجهة هذه التصورات والمخططات. ان حادثة السفارة السعودية، ابرزت ايران بأنها دولة متهالكة ومختطفة، وان الرئيس الايراني حسن روحاني لا يملك من الامر شيئا، وليس له سلطة تذكر على الامن الداخلي، وانه مجرد شخص مسؤول يتبع مباشرة الى مكتب المرشد، كما برزت ايران وكأنها دولة من الميليشيات المتعددة والتي لا تنسيق فيما بينها مطلقا، وهذا يعكس حجم المخاوف الداخلية، خاصة وان هناك استعدادات للوثوب حال وفاة خامنئي، ما دفع هاشمي رفسنجاني للمطالبة بتعيين مرشد جديد قبل وفاة خامنئي، في حيث يتحفز الحرس الثوري للوثوب، وربما الانقلاب على جميع المؤسسات، حيث هناك تخوف كبير من مشاركة الاصلاحيين هذه المرة في الانتخابات، وان رفع العقوبات وحضور الشركات من شأنه ان يؤدي الى حدوث تغيير في خارطة التحالفات الداخلية والدولية. قرار الرياض أصبح ديناميكياً وسريعا وعاجلا، لا يمنح الآخرين فرصة للتفكير والتدبر، وينزل احيانا على شكل الصدمة، التي تهز الاركان والقواعد، وتعطي رسائل مفادها الماضي لم يعد قائما، والمستقبل لا يمكن التعامل معه بأدوات تقليدية، وهذا النوع من السياسات بات مخيفا لايران، مما جعلها تصب جام غضبها على الاميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، في اشارة الى انهما شباب متسرع ومتهور، غير انها وفي داخلها تستشعر المرارة وتشعر بأن هناك انقلابا في موازين القوى ليس في صالحها بعد أن ظلت تتبجح بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية، وأن حدودها تمتد للمتوسط، وأنها اصبحت مجاورة للمملكة. ان الساعين لتطويق القطيعة الدبلوماسية والموقف السياسي الحازم، يعتقدون بأن الاعتذار كاف، الا ان المملكة ربطت عودة العلاقات بسياسات واجراءات واضحة تتعلق باحترام البعثات الدبلوماسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والعربية، وان المملكة ليست في وارد السعي لعودة هذه العلاقات، فقد أكد وزير الخارجية عادل الجبير بأن السعودية ليس لديها أي نية لرأب الصدع مع إيران، وطالما بقيت إيران تتفاخر بنفوذها المتصاعد في بلدان عربية كسوريا ولبنان واليمن والعراق؛ فإن السعودية لن تهدأ حتى تعود الأراضي العربية إلى السيطرة العربية.