يحضر الكتاب التجاري ليقدم للقارئ المزيد من الإصدارات الرديئة على حساب المنتج الأدبي الجيد ومن بين دور النشر يحضر الغلاف الجذاب بهدف إغراء القارئ بالشراء دون النظر إلى المحتوى الرديء، ولعل الفن الروائي والقصة القصيرة والشعر الحر هي الأبرز.. فيكتشف القارئ على سبيل المثال أن الرواية ليست رواية، بل مجرد سيرة ذاتية بلغة سطحية .. وأن ديوان الشعر هو مجرد خواطر وليس أكثر فهو خالٍ من الشعرية التي تحقق الدهشة للمتلقي.. وبهذا تظل بعض دور النشر هدفها الربحية، الأمر الذي يفسد المنتج الأدبي ويفسد الذائقة.. وحضرت مثل تلك الإصدارات مؤخرا في معرض جدة الدولي للكتاب من بعض دور النشر الخليجية والعربية.. "عكاظ" طرحت القضية واستطلعت آراء عدد من الكتاب والمثقفين فكانت الحصيلة التالية: في البدء يقول القاص والروائي ماجد سليمان: الكون بُني على النظام، والدين بُني على الأركان، والحياة بُنيت على الترتيب، والأدب شأنه ذلك. ويضيف: استطاع الكتاب التجاري أن يُخلخل المكتبات ويجعل لنفسه مكانا كبيرا فيها، ويعود سببه لبساطة مجتمعنا، وعفويّته الواسعة، شخصياً، لا تجذبني هذه النصوص، ولا أجد فيها إلا تدميرا لوقار الكتابة، وفي جهد أصحابها عجز الإرادة، والهروب من قواعد الأدب السليمة، وتحت مسميات طبّل لها النقد، وصفّق لها البسطاء من المتلقين الذي ينامون ويفيقون وهم في مواقع التواصل الاجتماعي. ويشدد الروائي ماجد سليمان: أركان الكتابة السليمة ليست قيودا، بل هي ضابط لإيقاع النص كضابط آلة العزف، سواء في الشعر أو النثر، وأصحاب هذه الكتابة التي أتت بمسمى نصوص أو قصيدة نثر أو "ق ق ج" أو ما شابه، كمن يغني بصوت عالٍ ويده تخبط على الأوتار بعشوائية. واستطرد: أجد في هذه المؤلفات "خواطر" خجل أصحابها من أن يُقال عنها ذلك، فانتهجوا لها "نصوص" وما شابهها، مع العلم أن "نصوص" كلمة عامة تعني الشعر بفروعه والنثر بمذاهبه، فالكاتب الحقيقي لا تعيقه أوزان الشعر، وسجوع النثر، بل يصنع منها سفنا لإبداعاته وانفعالاته الإنسانية، ويرسلها مبحرة في بحار الروائع. أما الروائي عواض شاهر فيقول: ما يؤسف له أن بعض دور النشر المحلية التي لم يمر على نشأتها سوى سنوات قليلة طالها جشع بعض دور النشر العربية التي تطبع من أجل المال وليس من أجل الأدب فأخذت هذه طباع وسلوكيات تلك. وبذلك استوطنت العدوى سوق النشر المحلي بفعل من الداخل. بعض دور النشر المحلية يديرها وراقون و(سلعيون) أكثر من أي شيء آخر. ويضيف الروائي عواض: تمر على المؤلف سنوات دون أن ينال حقه من المبيعات، وإذا طالب بحقه قوبل بالكراهية والمماطلة في الوقت نفسه. على أي حال، تغيب عن صناعة الكتاب في مشهدنا الأدبي ثلاثة أطراف مهمة، وهي المحرر الأدبي والوكيل الأدبي والتوزيع المتخصص، وهذه الأطراف ساهم غيابها في الفلتان الحاصل. ويضيف: باتت عملية النشر من أسهل القرارات لدى معتنقي الكتابة بالعافية وتجاوبت معهم شهية اقتصادية من دور النشر فالتقى الطرفان في مهمة واحدة هي العبث بالمنتج المحلي على هذه الطريقة. أما الناقدة والباحثة إيمان الحازمي فتقول: مسؤولية دار النشر لا تتوقف عند حدود الطباعة والنشر بل تتعدى ذلك إلى الإسهام في الحركة الثقافية والأدبية، من خلال الإشهار الثقافي في المحيط، وعملت ذلك كثير من دور النشر العريقة ، ولا شك أن عملية النشر لا بد أن تحقق عائدا ماديا يعود على الدار الناشرة وكذلك الكاتب، ومن هنا ظهرت دور تهتم بهذا الجانب فقط، وبالتالي وجد الكاتب المبتدئ أو الواهم من ييسر له سبل النشر، ويحقق أيضا عائدا ماديا دون مسؤولية. وتضيف الحازمي : في معرض جدة الدولي كثير من المطبوعات ذات غلاف جذاب هدفه إغراء القارئ بالشراء دون النظر إلى المحتوى الرديء ولعل الفن الروائي والقصة القصيرة والشعر الحر أكثر من اُستغل في هذا الجانب إضافة إلى أنها تلقى رواجا واسعا، وفي مقابل تدني مستوى النشر هناك تدنٍّ في ذائقة القارئ فلو لم تجد قبولا عند القارئ لكسدت في مخازن الناشر، وبالتالي لن يقدم على طباعة عمل رديء، لكن الحاصل الآن هو العكس فالمنتج الجيد لا يجد رواجا، فهذه الدور تنشر ما يلقى رواجا ويحقق لها عائدا ماديا. وتؤكد الحازمي بقولها: أتمنى من المؤسسات الثقافية توسيع دائرة اهتمامها والأخذ بيد الكتاب المبتدئين ودعوتهم لمراجعة كتاباتهم وتحسينها، وكذلك تصل إلى القارئ من خلال إبراز الأعمال الجيدة ومناقشتها وإهمال الأعمال الرديئة، فعندما نشير إليها بالرداءة فهذا يعني أنها لم تحقق أدنى مستوى من مستويات الخطاب الأدبي. نحن لا نملك أن نمنع دور النشر من النشر، ولا الكتاب من الكتابة، لكن نستطيع رفع المستوى والوعي الأدبي والثقافي عند المتلقي بحيث يمتلك حس النقد في انتقاء اختياراته من الأعمال الأدبية .