قد يحتار المرء حين يضمر في نفسه الحديث عن التعليم، من أين يبدأ، خصوصا إن كان ممن يعيش وسط معمعته ويرى معضلاته رأي العين، فمنظومة التعليم كل واحدة منها تحتاج إلى مؤلف كامل يشخص الداء ويصف الدواء، بدءا من البيئة المتمثلة في المدرسة التي يرى الطالب أنها بمثابة السجن المكبل لحريته وحركته ونشاطه، وليس فيها ما يجذبه ويحفزه..! ومرورا بالمناهج الجامدة التي ربما زادت على خمسة عشر مقررا يحملها الطالب على ظهره ذهابا إلى المدرسة وإيابا منها، ولو «فتشنا» عن محتواها لوجدنا أغلبه بين «شهامة رجل»، و«فطنة غلام»، و«قصة غراب»، ولا أدل على ذلك من قول أحد المعلمين متحسرا: في الوقت الذي يعلم زملائي المعلمون طلابهم في بعض الدول المتقدمة «الذرة» وعلوم الفضاء، والدوائر الكهربائية أقف أنا أمام طلابي لأعلمهم أن الاسم الثاني ل«الفقع» هو «الكمأة»..! وانتهاء بالمعلمين وعلاقتهم المتوترة بوزارتهم، فقد يكون لوزارة التعليم قصب السبق في «جرجرة» منسوبيها بين أروقة المحاكم والجلوس معهم وجها لوجه على طاولة القضاء؛ كي تخمد بكلمتها العليا صوتهم المطالب بما يرونه حقا مشروعا من وجهة نظرهم.. لم يعد خافيا، فالمعلمون يتحدثون بصوت عال أن وزارتهم هي الوحيدة التي تتخلى عنهم وقت الأزمات، فكل الوزارات والرئاسات، تقف مع منسوبيها حتى لو وقعوا في الأخطاء، أما وزارة التعليم فحين يخطئ أحد منسوبيها فإن تصريحها الأول يكون تهديدا ووعيدا وبيانا للعقوبة التي ستطاله حتى قبل بدء التحقيقات.. حقيقة العلاقة ليست على ما يرام، وقد بذل الوزير السابق الدكتور عزام الدخيل مشكورا جهودا مضنية في إذابة الجليد بين المعلم ووزارته، ويبقى الأمل معقودا في الوزير الجديد الدكتور أحمد العيسى أن يكمل ما بدأه سلفه، فالمعلم في هذا الوقت بالذات كاليتيم يحتاج لمن يحنو عليه، ويعيد إليه الثقة المفقودة، فمن المعلم يبدأ علاج الخلل، ومن ثم الانطلاق إلى معالجة أركان المنظومة الأخرى.