قبل أيام كتبت مقالا تساءلت فيه عما هو المنكر، وقلت إن السنوات الأخيرة التي شهدت بعض الممارسات غير المقبولة لبعض أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصابت (المنكر) بالتباسات كثيرة صعبت من فهمه وتحديد أطره. وقد كتب الأستاذان سعيد السريحي وقينان الغامدي مقالين في الوطن وعكاظ تناولا فيهما بالذات ضرورة وضع قوائم أو محددات للمنكرات من عدم ذلك. قينان لا يرى حاجة لهذه القوائم لأن الناس يعرفون المنكر ولا يحتاجون إلى من يدلهم عليه وهناك جهات رسمية، غير الهيئة، يفترض أنها تتابع ارتكاب الناس لهذه المنكرات وتحاسبهم عليها. والسريحي الذي طالب بأن تضع قوائم المنكرات هيئة كبار العلماء يرى «أن من بين أعضاء الهيئة، وهم من الناس، من لا يعرف تلك المنكرات حق المعرفة فيكون اجتهاده ارتكابا لمنكر مما يُنهى عنه، ولولا ذلك ما أقدم بعضهم على مطاردة الناس حتى يقعوا ضحايا ولا أساؤوا الظن بالناس وجعلوهم موضع ريبة.» وإذا أذنا لي فإنني سأذهب مذهبا آخر ربما يتفق مع أحدهما ولا يتفق مع الآخر والعكس، وهو مذهب (الواقعية السعودية) التي تدل في هذا الأمر على شيئين مهمين جدا هما أن الهيئة جهاز رسمي من الدولة يُقتطع لوظائفه من ميزانيتها، أي أنه شرعي ومخول فيما يقوم به من أعمال. وأن غالبية العوام السعوديين، وهذا هو الشيء الثاني، أصبحوا يحملون بعض أوجه المعروف على المنكر لأنهم تعلموا في مدارس (الصحوة) ومن بعض ممارسات رجال الهيئة بأن ما هم عليه هو الرأي القاطع والسيف البتار في هذه المسألة أو تلك، إلى درجة أن ابن جارك في المرحلة الثانوية قد ينهرك، وأنت أستاذ في الجامعة، لأن زوجتك المحجبة لا تغطي وجهها وهذا منكر. ولطالما كسر الأبناء المراهقون أشرطة الأغاني على رؤوس من في البيت لأنها منكر وحرام. ونحن نعلم أن في هاتين المسألتين، النقاب والأغاني، خلافاً كبيراً، قديماً وحديثاً. إذا لا الهيئة، باعتبارها جهازا مخولا، ستسمح لغيرها من الأجهزة الرسمية بأن تضع قوائم المنكرات، ولا الناس في أغلبهم سيعتبرون أنفسهم، كما ذكر قينان، عارفين بحدود المعروف والمنكر، لأنهم سلبوا عبر سنوات طويلة إرادة التفكر والتدبر فيما يُصلح حياتهم ويقوم سلوكهم. وعليه، انطلاقا أو انبثاقا من واقعيتنا، نريد أن يتحمل جهاز الهيئة مسؤولياته في إزالة التباسات المنكر التي نتجت وما زالت تنتج عن تصرفات بعض أعضائه ويصدر قائمة حاسمة وجازمة بهذه المنكرات. وإذا ما جاء الوقت الذي يُترك فيه الناس لحسن تقديرهم وعقولهم فلكل حادث حديث. لكن يجب ألا نغفل عن أن الناس لن يصلوا إلى هذه المرحلة إذا لم ننقلهم، عبر التعليم والإعلام والثقافة العامة المستنيرة، من حال التلقي الأعمى إلى حال التفكر والنقد وحال المقارنة المنفتحة على كل الآراء الفقهية التي تتعلق بشؤون حياتهم وتصرفاتهم.