للغة أسرارها التي لا تنتهي، أحد هذه الأسرار يتلخص في دعم اللغة للتفكير الداخلي والذي يستخدم بطبعه المفردات والدلالات والرموز كأدوات لا غنى عنها في عملية التفكير، لتعكس في النهاية قدرة الإنسان على التحليل والإدراك باستخدام الوعي/ واللاوعي المكون لديه متشاركا ومتفاعلا مع من حوله من أفراد مجتمعه ، يقول عالم النفس موريس روكلن «إن اللغة مجموعة علامات ذات دلالة جمعية مشتركة، ممكنة النطق من كل أفراد المجتمع المتكلم بها ، وذات ثبات نسبي في كل موقف تظهر فيه». «مع نفسك» كلمة تُستخدم لإنهاء حوار بين صديقين أو زميلين أو خصمين في مكان ما، وهي كمفردة لغوية لم تكن حاضرة في معجمنا اللغوي المحكي/ العام على الأقل قبل عقد من الزمن ، ولسنا بصدد التحقيق فيمن ألقاها في لحظة تجل إلى قاموسنا ، بل ما يعنينا دلالاتها التي يجب الوقوف عندها ، علَّها أن تفصح عن بعض أسرار ما تعمله لغتنا فينا كبضاعة تصدر منا وتعود إلينا بشكل آخر قد يكون بغيضا ومزعجا! حينما تصدر كلمة «مع نفسك» تكون الغاية منها هو رفض رأي الآخر شكلا ومضموناً بحشره في زاوية عدم القبول ولو على سبيل المزاح والتهكم ، فضلا عن كونها لغة تحد واستفزاز في بعض الأحيان ، والعجيب أنها وفي دلالاتها تعكس سلوكا عدائيا لحد ما يعزز الانتصار للنفس ولو بنزعة دوغمائية – التعصب لفكرة دون قبول النقاش فيها – وهنا تأتي خطورة اللغة ولعبتها السرية في تمرير الدلالات التي تعكس مضمون اللاوعي لدى الفرد والمجتمع، هي مجرد كلمة بسيطة قد يتقبلها الآخر وقد تستفزه ، ولكن هل لنا أن نعاود التفكير بتؤدة في كل مرة نحاول استخدامها كلما جنحت للركود / المعجمي؟! حتى ولو كانت على سبيل المزاح؛ فاللغة «كائن ذكي» يستطيع تسريب الدلالات بخفة ولطف لتكرس مضمونها داخل الأوساط المستخدمة لها ، لأن عملية إعادة تدويرها المستمر ما هي إلا عملية عزل معاكسة لا ندفع بها الآخر وحسب إلى زاوية الإقصاء وعدم القبول ، بل تحبسنا بجدار من أحجار التأزم والرفض والعزلة، لتكرس لدينا وفي منطقة خفية من ذاتنا الفردية نزعة التسلط والتفرد بالرأي الأمر الذي نجد أثره في عائلة مفككة ونسق ثقافي يحمل سمة العدائية و الإقصائية وكأني به وهو يختال بحضوره قائلاً «سأتسلل لكم في كل زمان ومكان ، لن أترك فرصة لأضيعها، سأحاصر فكركم ومجتمعكم ، لتنسوا أنكم كائنات اجتماعية تتفاعل لتعيش وتسعد معا». هي اللغة إذا حينما تمارس خلسة لعبتها في تمرير وتبرير السلوك؛ لينتقل بين جيل وآخر حتى يصبح عرفا يكون الحياد عنه هو التشرذم والغرابة عينها. فإذا ما سوغنا رفض الآخر ورأيه وعدم قبول النقاش معه، فنحن بالنسبة للآخر هدف لكلمة سهلة على القائل قمعية للسامع ذات دوي يقول «مع ن ..ف .. س..ك!».