لم يكن الانتحار 1972 لينهي تاريخا عظيما لساحر الشرق الأقصى، الروائي الياباني ياسوناري كواباتا، فهو قد ترك أثرا يضاهي تاج إمبراطورية الشمس، وقد عرفه الوسط الثقافي العربي عبر دار الآداب وعرابها الدكتور سهيل إدريس الذي نقله من اللغة الفرنسية وسيطة الآثار الإنسانية في بداية الثمانينات الميلادية. وتصدر الآداب حديثاً في نسخة جديدة آخر رواية كتبها ياسوناري «حزن وجمال» 1965، وقد نشرتها باللغة العربية من قبل عام 1983، وعرفها الناشر بأنها «رواية مفعمة بالغنى الأدبي، تمتزج فيها تأملات سيكولوجية عميقة ونظرات لا تقل عمقا في تبحرها بمعنى خلود الفن والأدب، إلى جانب الوصف الساحر لحدائق اليابان ومناظرها، وهي أساسا اعتبرت، لدى كاواباتا، بمثابة نظريات أثيرة حول الموت والوحدة والحب والعشق والجمال»، تلك النظريات التي لم تغادر أعماله الكبرى مثل «صوت الجبل» 1949، و«البحيرة» 1954، «الجميلات النائمات» 1961 والتي تمنى غابرييل ماركيز لو أنه هو كاتبها، ثم «العاصمة القديمة» 1962. في هذه الرواية يتحين الكاتب لبطله الأمل بمطلع رأس السنة، لكنه لا يجانب ثنائية الموت والحياة، الجمال والخراب؛ حينما يعود العاشق القديم إلى تلك المدينة الأثيرة، وإلى تلك العاشقة التي تتعدد في أعماله السابقة ك «بلد الثلج» 1935، تلك العاشقة مليكة إلهام فريد، ولكنها تجد صعوبة بالغة في الرجوع إلى الحلم الفتي، فالزمن ذهب بالفتاة «أوتوكو» الرسامة الشهيرة وذهب بالصبي «أوكي» الكاتب الذائع الصيت، ولم ينبت مجدداً ربيع يراهنان عليه أمام العائلة وأمام المجتمع. سيدفعان بمصيرهما إلى تجربة جارحة وهما على ذاكرة صوتهما القديم في شهيق الجسد.. يقول ياسوناري: وقد خفف يوكي ضمّته، ففتحت عينيها، كان بؤبؤاها الأسودان ملتمعين منديين بالدموع: إنني لا أرى وجهك، أيها الصبي الصغير. إنّه مهتزّ كما لو كان في الماء. حتى في لحظة مماثلة، كانت وهي الصبية الصغيرة، قد نادت اوكي «بصبي صغير». ويذهبان في تبادل دور اليتيم، فكل واحد يرى نفسه يتيماً في الموت لا في الحياة لو غادرها، إذ بعودة أوكي تجد عشيقته فجراً لا بد أن يكون لها للخروج من حزنها على طفلتها التي فقدتها؛ إلاّ أن مصائبها تتضاعف برفض العاشق الزواج منها، وينسج ياسوناري أسباب الانتقام التي تبررها فتاة تتبناها «أتوكو» لتكون النهاية قاسمة للحزن والجمال أيضاً.