برحيل المفكرة وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي يغيب عنا فكر مستنير آخر. كانت المرنيسي بحضورها الوهاج وضحكتها الدائمة وأفكارها الجريئة من أبرز النساء الفاعلات في المجتمع العربي بل والعالمي. عن سن الخامسة والسبعين توفيت الكاتبة الشهيرة صباح الاثنين 30 نوفمبر 2015 إثر معاناة طويلة مع المرض. ووري جثمانها بمقبرة سيدي مسعود بحي الرياض في الرباط، بحضور جمهور من المثقفين. ساهمت المرنيسي في تقدم البحث السوسيولوجي العربي والعالمي وأعادت الاعتبار للدرس السوسيولوجي وبوأته مكانة رفيعة بعدد مهم من المؤلفات الرصينة والمبتكرة، وأغنت فاطمة المرنيسي المكتبة العالمية والعربية بأبحاث كتبت في الأصل باللغة الفرنسية أو الإنجليزية نذكر منها: «الحريم السياسي»، و«الجنس كهندسة اجتماعية»، «هل أنتم محصنون ضد الحريم»، «الجنس والأيديولوجيا والإسلام»، و«ما وراء الحجاب»، «الإسلام والديمقراطية»، «شهرزاد ترحل إلى الغرب»، «أحلام الحريم». و«نساء على أجنحة الحلم». كما حازت كذلك على عدد من الجوائز العالمية مثل جائزة أمير أستورياس الاسبانية للأدب جائزة «إراسموس» الهولندية.. في هذا الملف الذي خصصه ملحق عكاظ الثقافي للباحثة فاطمة المرنيسي سنقرأ شهادات مهمة لمثقفين مغاربة عن هذا الهرم العلمي والثقافي المغربي والعربي. الجرأة والدقة في البحث والإبداع فاطمة المرنيسي: هي الجرأة والدقة في البحث والإبداع لا يمكن، في المغرب المعاصر، الحديث عن البحث السوسيولوجي دون الحديث عن فاطمة المرنيسي، فهما وجهان لعملة واحدة، وفي الوقت ذاته، لا يمكن الحديث عن الكتابة النسائية أو الكتابة النسوية دون الحديث عن فاطمة المرنيسي، بذلك تكون الباحثة والمبدعة فاطمة المرنيسي رائدة ومؤسسة في الميدانين معا؛ البحث السوسيولوجي الأكاديمي الرصين، والكتابة النسائية والكتابة النسوية. لقد ولجت المرحومة الميدانية بروح مقاتل، وقد سلحت نفسها بالمعرفة العلمية الرصينة، وسمح لها تعددها اللساني الاطلاع على مختلف ميادين المعرفة الحديثة التي أنتجتها الحركات التحررية في العالم وأمريكا، أقصد الحركات التحررية التي واكبت ماي 1968م خلال عقد السبعينيات في فرنسا تحديدا، بل انخرطت فيه فكرا وإبداعا، وأنشأت بعد ذلك في الجامعة المغربية حلقات بحث في الأدب النسوي وفي قضايا المرأة المغربية، وساهمت في إرساء قواعد الأدب النسوي تنظيرا وإبداعا، فكتبت إلى جانب البحث الميداني والتحقيقات الميدانية في الرواية وناقشت من خلالها قضايا المرأة المغربية والمرأة العربية عامة وما عانته وتعانيه من انحراف في الممارسة للتنظيرات الفكرية والعقائدية، ورفضت فكرة «الحريم»، وعالجت من بين القضايا الحساسة في مرحلة حرج من تاريخ المغرب مشكلة «الجنس» من خلال احتكار الرجل لجسد المرأة، وكانت ممن دافع عن أهم القضايا النسائية ومن خلال الكتابة الروائية عن تحويل النظرة الشائعة عن المرأة في الكتابات الأدبية في العالم العربي والغربي. محمد معتصم