لم تبدأ علاقة أم القرى بالسماء مع بدء بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه في غار حراء، ولم تبدأ تلك العلاقة أيضا بوصول أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام وقيامه مع ابنه إسماعيل عليه السلام برفع القواعد من البيت والتوجيه الرباني لإبراهيم الخليل بأن يؤذن في الناس بالحج وكان ذلك قبل نحو سبعة آلاف سنة، وإنما بدأت تلك العلاقة منذ أن اختار الله مكةالمكرمة ليكون في واديها بيت الله المحرم، وقد جاء في رسالة للتابعي الجليل الحسن البصري المولود عام 21ه أنه ما من ملك يتنزل من السماء مكلفا بمهمة، إلا ويكون أول عمل يقوم به هو الطواف بالبيت ثم ينصرف الملك بعد ذلك لما كلف به، فإذا أكمل مهمته مر بالبيت فطاف به ثم صعد إلى السماء وقد قام بما أمر به، وأنه ما من نبي أو رسول كذبه قومه وأخرجوه إلا جعل البيت الحرام آخر ملاذ له في الأرض فيبقى في أم القرى حتى يتوفاه الله فوق ثراها الطاهر، ولكن علاقة مكةالمكرمة تعززت أكثر بالبعثة النبوية ونزول القرآن الكريم أعظم كتاب سماوي على قلب سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الذي بشر قومه ومن أسلم معه وهو في حالة ضعف أنهم سوف يسودون العالم وأن الإسلام سوف يبلغ في الأرض مبلغ الشمس منها.. وقد كان! هذه المعاني السامية تداعت إلى ذهني مع غيرها من الصور النبيلة والذكريات العطرة والتاريخ المجيد وأنا أستلم بيد الشكر نسخة من الكتاب المصور «مكةالمكرمة من السماء» وهو سفر ضخم ثقيل الوزن أخذت لأم القرى عن طريق الجو من سمائها المباركة لجميع أحياء البلد الأمين والمشاعر المقدسة، في أزمنة مختلفة فهي صور جوية تمثل الماضي والحاضر بعد التوسعة والهدميات جاءت على أحياء كاملة فيها لصالح المسجد الحرام والطرق المؤدية إليه والخطوط الدائرية ومحطات قطار الحرمين وغيرها من المشاريع الحيوية، ولا شك أن هذا السفر يحتاج بعد فترة لتحديث عند الفراغ من جميع المشاريع القائمة والقادمة. كما أنني كنت أتمنى لو أنه تم التقاط صور أرضية لأحياء أم القرى وشوارعها وشعابها وجبالها وحركة الحياة فيها ليكون عنوان السفر «مكةالمكرمة من السماء إلى الأرض» لأن الصور الجوية وحدها لا تبدو شيقة لأنها نظريا لا تملأ العين لبعدها بعكس الصور المقربة التي تمنح المتأمل تفاصيل الحياة المكية الزاخرة بالروحانية، وما ذكر لا يقلل من الجهد المبذول الذي كان وراءه الإخوة معراج مرزا ورمزي الزهراني ومحمد مرزا، ورعاية مدير جامعة أم القرى ووكيلها للإبداع المعرفي، فتحية لهم.. وإلى الأمام.