ضجت الصحف المحلية خلال الأيام الماضية بالحديث عن أربع فتيات (هاربات) من (دار الضيافة) التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وليست الصحف وحدها التي انشغلت بذلك (الهرب) وإنما أيضا انشغلت معها الجهات الأمنية التي مضت تتعقبهن وتبحث عنهن إلى أن أوقعت بثلاث منهن وتفرغت للإطاحة بالرابعة!! من يقرأ كل هذا الضجيج يتوقع أن أولئك الفتيات قاتلات أو إرهابيات أو مروجات مخدرات أو غير ذلك من الجرائم الكبرى وأنهن كن يقضين حكما صادرا عليهن من المحكمة وفررن قبل انتهاء مدة العقوبة!! لكن هؤلاء الفتيات لسن كذلك، هن فتيات وقعن في مخالفات أخلاقية، وضبطن وحوكمن وصدرت عليهن أحكام بالسجن وقضين مدة العقوبة كاملة غير منقوصة، والمتوقع بعد هذا أن يطلق سراحهن، فمن حق السجين إطلاق سراحه بمجرد انتهاء مدة عقوبته، لكن هؤلاء الفتيات حرمن ذلك الحق لمجرد كونهن (إناثا)!! الأنثى بعد انقضاء مدة محكوميتها لا يفتح لها باب السجن لتسير تحت الشمس والضوء تملأ رئتها من هواء الحرية التي حرمت منها طوال مدة سجنها، الأنثى لابد أن يأتي (ولي أمرها) ليستلمها، أما إن لم يأت ورفض استلامها، فإنها تساق إلى سجن آخر أعطي اسما لطيفا فقيل عنه (دار الضيافة)! هؤلاء الفتيات بأي حق (يجبرن) على الإقامة في دار الضيافة إن كن لا يرغبن في ذلك؟ بأي حق (يسجن) فيها وتشغل الجهات الأمنية بمطاردتهن وتعقبهن كالمجرمات متى هن غادرنها غير راغبات في البقاء فيها؟ أليس من حقهن أن يعشن حياة طبيعية تخلو من التسلط والقسر والقهر؟ إن كانت وزارة الشؤون الاجتماعية ترغب في حمايتهن حقا ومساعدتهن، فعليها أن تنهج سبيلا آخر غير سجنهن في (دار الضيافة)، فهذه الدار مهما أسبغ عليها العاملون فيها من آيات الجمال، ومهما زينوا العيش داخلها، تظل تفتقر إلى أهم مقومات جمال الحياة (الحرية). هؤلاء الفتيات في حاجة الى استنشاق الهواء الحر بعيدا عن الأقفال وكاميرات الرقابة، هن في حاجة إلى من يشعرهن بالثقة فيهن، وإلى من يعينهن على استعادة احترامهن لذواتهن، ومن يمكنهن ليعتمدن على أنفسهن اقتصاديا، وفي ظني أن الوزارة في حاجة إلى تغيير منهجها في التعامل مع مثل هذه الفتيات، وبإمكانها أن تبدأ في خدمتهن أثناء إقامتهن في السجن، فتقدم لهن برامج تدريبية تمكنهن من إتقان مهارة ما، خلال قضائهن فترة الحكم، حتى إذا ما انتهت محكوميتهن قامت الوزارة بتشغيلهن بما يتلاءم مع المهارة التي يجدنها، مع توفير وحدات سكنية لهن تؤجرها عليهن بأجور رمزية، وبذلك يتهيأ للفتيات حياة طبيعية يعشنها تحت رعاية الوزارة، حماية لهن من أهلهن الغاضبين عليهن، ومن أي أحد آخر قد يسعى إلى استغلالهن أو إعادتهن إلى طريق الضلال.