روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط»: {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} رواه مسلم. هكذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم السورتين العظيمتين وسورة الفلق وأختها سورة الناس آيات بينات تذكر الداء والدواء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يوليهما عناية خاصة، ويتعوذ بهما كما أمره ربه عز وجل. فقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما». ففي المعوذة الأولى أمر الله نبيه أن يستعيذ ويحتمي برب الفلق، وهو الله سبحانه رب الصباح المنفلق عن الليل، الكاشف لظلامه، وتخصيص الصبح بالتعوذ هو أن انبثاق نور الصبح بعد شدة الظلمة كالمثل لمجيء الفرج بعد الشدة، فكما أن الإنسان يكون منتظراً لطلوع الصباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء الفرج والأمان. فقال عز وجل لنبيه ولكل مؤمن به: {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} أي : من شر خلقه إطلاقاً واجمالاً، وهو عام لكل شر في الدنيا والآخرة، وشر الإنس والجن والشياطين، وشر السباع والهوام، وشر النار، وشر الذنوب والهوى، وشر النفس، وشر العمل، وشر كل ذي شر. {ومن شر غاسق إذا وقب} الغسق شدة الظلام، والغاسق هو الليل أو من يتحرك في جوفه، ومعنى {وقب} أي: دخل . قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هو الليل إذا أقبل بظلامه» قال مجاهد والزهري: «هو وقت غروب الشمس»، فقال سبحانه وتعالى: {ومن شر النفاثات في العقد}، وهن النساء الساحرات الساعيات بالأذى بالنفث على عقد يعقدنها في خيوط ونحوها على اسم المسحور، فيؤذى بذلك ولكنهم كما قال سبحانه وتعالى بسورة البقرة: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}، وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم السحر من كبائر الذنوب الموبقات التي تهلك الأمم والأفراد، وتحرق أصحابها في الدنيا قبل الآخرة. {ومن شر حاسد إذا حسد} . الحسد خلق مذموم طبعا وشرعا وهو تمني زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود، وشر الحاسد ومضرته إنما تقع إذا أمضى حسده فأصاب بالعين أو سعى للإضرار بالمحسود، لذلك أمر الله تعالى بالاستعاذة من شره فقال : {ومن شر حاسد إذا حسد}. السطر الأخير: اصبر على مضض الحسود فإن صبرك قاتله كالنار تأكل بعضها إذا لم تجد ما تأكله