يبدو أننا تعودنا على الأرقام الضخمة حتى فقدنا الإحساس بها وذلك بعد أن بلغت تكلفة المشاريع بالمليارات وحجم الخسائر التي تتكبدها المؤسسات نتيجة عدم جودة تنفيذ تلك المشاريع أو تعطيل إكمال تنفيذها يقدر بالمليارات كذلك، ولهذا يمر مرورا عابرا ذلك الخبر الذي يتحدث عن أن تقرير ديوان المراقبة العامة قد كشف عن أن 41 مليارا و980 مليون ريال صرفت من المال العام خلال عام 1435ه دون وجه حق وسند نظامي أو تم التراخي في تفعيل إجراءات تحصيلها من الجهات المختصة، وهو مبلغ لا يمكن لنا أن نتخيل حجمه إلا إذا تصورنا أننا فقدنا عددا من المستشفيات والمدارس والطرقات والجسور التي كان من الممكن إنفاقه على تشييدها. وإذا لم يكن بالإمكان تصنيف هذا الهدر الذي تعرض له المال العام خلال عام واحد تحت بند الفساد المالي المتمثل في الصرف دون وجه حق أو سند نظامي والفساد الإداري والمتمثل في التراخي عن تفعيل الإجراءات تحصيل المال العام وتوريده لمؤسسات الدولة، إن لم يكن بإمكاننا أو من حقنا أن نصنف ذلك على أنه فساد فإن في الأمر شبهة بل شبهات إن لم تتحرك الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد كي تتقصى حقيقة ما وراء ما كشف عنه التقرير، وإن لم تتحرك الهيئة لمثل هذا الأمر الجلل فإن من حق المواطنين أن يتساءلوا عن دور الهيئة وعما يمكن أن تنهض به. وإذا كان ديوان المراقبة العامة قد اعتمد مبدأ الشفافية بإعلانه ما جاء في تقريره من حجم ما صرف من المال العام دون سند نظامي أو وجه حق أو تم التراخي في تحصيله من أموال الدولة فإن على ديوان المراقبة أن يفعل بدوره المادة (16) من نظامه والتي تنص على ما يلي (في حالة اكتشاف مخالفة فللديوان أن يطلب تبعا لأهمية المخالفة من الجهة التابع لها الموظف إجراء التحقيق اللازم، ومعاقبته إداريا، أو أن يقوم الديوان بتحريك الدعوى العامة ضد الموظف المسؤول أمام الجهة المختصة نظاما بإجراءات التأديب)، فهل ينهض ديوان المراقبة بما تقتضيه هذه المادة ويحرك دعوى عامة أمام القضاء تحمي مال الدولة أم أنه بدوره سوف يتراخى عن ذلك؟.