قال أحد الشعراء: إذا وقع الذباب على إناء رفعت يدي ونفسي تشتهيه! ولعل الشاعر ضرب مثلاً بالذباب للدلالة على أن الإنسان قد ينصرف عن شيء يحبه إذا زاحمه عليه ثقيل أو تافه مكرماً نفسه عن الدخول في منافسة مع الثقلاء والتافهين! وقد قرأت في شبابي «فجر الإسلام» لأحمد أمين رحمه الله فوجدت أنه يرد «حديث الذبابة» فسألت أبا تراب الطاهري رحمه الله عن رأيه في موقف أحمد أمين من الحديث فأكد لي أن الحديث صحيح ولكن إذا عافت النفس شرب أو أكل ما سقط فيه الذباب فليغمسه تعبداً وأخذاً بالتوجيه النبوي الذي جاء في الحديث ثم لا يشرب أو يأكل ما عافته نفسه لأن التوجيه لم يوجب على الغامس ذلك! ولو فتحنا الأمر قليلاً وتركنا الذباب جانباً وعدنا إلى الثقيل والتافه من الناس لوجدنا أن شاعراً آخر قال مجسداً صعوبة العيش والتعامل مع الثقيل: إذا نزل الثقيل بدار قوم فما للساكنين سوى الرحيل ويروى البيت «بأرض قوم» فيكون الرحيل جماعياً من قبل سكان ذلك الموقع الذي نزل فيه الثقيل ومن ألطف ما نسج حول الثقل والثقلاء قول شاعر: سقط الثقيل من السفينة مرة فبكى عليه رفاقه وترحموا حتى إذا حان الرحيل.. أتت به نحو السفينة موجة تتقدم قالت: خذوه كما أتاني سالماً لم أبتلعه فإنه لا يهضم! وكان على الناظم تعديل عجز البيت الأول ليكون هكذا: فارتاح منه رفاقه وتنعموا لأنه لا أحد يبكي على رحيل ثقيل! ومن المصائب والمصائب جمة أن بعض الثقلاء والتافهين يظنون أن أرواحهم خفيفة وكلماتهم لطيفة ويفسرون الابتسامات الصفراء التي تقابل «هبلهم» بأنها علامات إعجاب بما يمتلكونه من ظرف وحضور لأنهم نادراً ما يسمعون رأي الناس فيهم وأنهم أثقل من مياه المجاري!" لأن معظم الناس يتحاشون تعريض أنفسهم «لألسنة حداد أشحة على الخير» ويتركون هذه المهمة لغيرهم فلا يقوم بها أحد، وأكبرهم عقلاً من يترك للثقلاء والتافهين الجمل بما حمل حتى لو كان في مزاحمته لهم مصلحة خاصة لأنه لا يريد مزاحمة الذباب على إناء واحد!