نتائج التحقيقات فيما حدث من تدافع مشعر منى ستظهر وسيعرف الجميع ما الذي حدث وكيف حدث على هذه الصورة المأساوية التي حزنا عليها في المملكة كحزن ذوي المتوفين والمصابين، رحم الله من مات منهم ومنّ بالشفاء العاجل لمن أصيب. لكن قبل نتائج هذه التحقيقات وبعدها لا بد أن نوقن بأن إدارة حشود من هذا النوع، يغلب على معظمها عدم الوعي، هي إدارة صعبة وشاقة، حتى أننا لا نكاد نصدق، مع نهاية كل موسم حج، أنه انتهى على خير. ما يعرفه القاصي والداني، أن المملكة سخرت جزءا هائلا من مداخيلها الوطنية لتبني هذا الواقع الرائع الماثل في مكةالمكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، إلى درجة أن علماء صرفت على جهودهم مئات الملايين ليخرجوا بأفكار تخفف حر مكة على الحاج وتعيده إلى أهله سالما معافى. إلى هذه الدرجة وصل اهتمامنا بالحاج الذي اعتبرناه، طوال تاريخنا، ضيفا للرحمن وضيفا كريما علينا من الواجب تحمل مسؤولية راحته وصحته وسلامته حتى لو كان ذلك على حساب راحتنا وسلامتنا نحن. ولذلك من المهم، مهما حدث، أن يعرف السعوديون، على المستويين الرسمي والشعبي، أنهم يبذلون ما لا طاقة لأحد ببذله لأن إمكانات بلدنا المادية عالية ولأن كرمنا، بعد كرم الله، يفيض على الحجاج بما لا يمكن لأي مزايد أن يفعله أو يفقهه. وإذا ما حدث حادث من أي نوع فإنه لا علاقة له بما نبذل أو نسخر من إمكانيات، بل هو نتيجة خطأ يحدث في كل مكان ويحدث في أرقى دول العالم التي تحوز ويحوز مواطنوها أو زوارها ثقافة عالية في السلامة وانضباط السلوك الفردي. مات المئات من قبل في دول أوروبية وغيرها نتيجة تدافع أو سوء سلوك أعداد لا تتجاوز العشرين والثلاثين ألف شخص في ملعب لكرة القدم أو محفل عام. ومع ذلك لم تجلد هذه الدول ذاتها ولم يزايد على إمكانياتها أحد، ذلك لأن العالم المتحضر يعترف بمكان أو احتمال ما لوقوع خطأ قد تنتج عنه كوارث. وما يعنيه هو اتخاذ كافة السبل والوسائل التي تمنع حدوثه. وهذا ما فعلته المملكة على أعلى وأرقى مستوى من توفير أسباب السلامة ومحاولة توفير أسباب الوعي للحجاج في بلدانهم وبعد قدومهم. هذه هي الحقيقة التي يراها كل منصف ويعمى عنها كل من يلقي سنارته المتربصة في المياه العكرة.