في مساء يشبه عيني طفل، جلس العاشق المجنون على كرسي في أقصى مكان من المقهى، كان يبدو مثل تمثال قديم، لا تصدر عنه أية حركة، فيما نظره يجول في الأفق البعيد، كأنه يبحث بين النجوم المتلألأة عن هدية من السماء، مرت عليه ثواني الانتظار كالسنين، وعندما لم تأت شرع في الغناء بصوته الطافح بالشجن وكأنه يستجديها لآخر مرة،، في ذلك المساء كرر ما كان يفعل ويقول في كل ليلة،، لم يكن هناك ما يشيء بحدث جديد،، كل يوم تتغير كلمات الأغاني ما عدا كلمتين، القمر والعيد،، أما اللحن فيبقى هو في كل مرة،، ولأنه كان مجنونا،، لم يكن أحد يكترث به،، لدرجة أن الجميع كان يستمر في تبادل الأحاديث المعتادة والصياح من وقت لآخر على عامل المقهى لإحضار الطلبات،،غير آبهين بما يفعل،، لهذا بدأ في رفع صوته أكثر ذلك المساء، غنى حتى اهتزت روحه وحتى تناثر الغبار من شعره الأشعث ،، ومن ثوبه الذي امتلأ بالبقع حتى صار كسماء الشتاء،، ومرة أخرى لم يأخذه أحد على محمل الجد،، كان يغني ويبكي حتى تحولت عيناة إلى نهرين من الماء الأحمر،، وفجأة ،، فجأة سقط ميتا،، قام بعض زبائن المقهى لحمله،، أثناء ذلك.. تناثرت من جيوبه صور كثيرة لها، كتب على كل واحدة منها ،، سنلتقي في ليلة عيد ميلاد القمر،، لا تنس ذلك،، حملوه للمقبرة،، جهزوه وصلوا عليه واروه التراب ونفضوا ثيابهم من الغبار ومضوا كأن شيئا لم يكن،، في اليوم التالي،، كانت صورهأ حديث القرية،، كان الجميع يتحدث عنها بإعجاب وعشق ،، أما هو فلم يأخذه أحد بجدية.