لفت انتباهي مؤخرا مقطع فيديو لسيدة أمريكية قامت بعرض جائزة مالية على المارة في أحد شوارع مدينة ليكوود بولاية نيوجيرسي مقدارها مائة دولار لمن يستطيع البقاء لمدة عشر دقائق داخل سيارة مغلقة وقت الظهيرة الحارة خلال هذا الصيف، ولم يستطع جميع من خاضوا التجربة من الرجال والنساء ومن مختلف الأعمار إكمال المدة الزمنية المطلوبة، كما أوضحت اللقطات المسجلة عدم احتمال المشاركين للحرارة وشعورهم بالاختناق والتذمر من البقاء داخل المركبة بعد مرور أقل من 3 دقائق لدرجة أن أحدهم قام بسكب كأس ماء بارد على رأسه لحظة خروجه من المركبة، وانتهى المقطع برسالة تحذيرية - سأذكرها في خاتمة المقال - من ترك الأطفال بمفردهم داخل المركبات وخاصة أوقات الحر الشديد مرفقة بلقطة مؤثرة لرضيع يصرخ ويبكي داخل المركبة بمفرده، وحصد هذا الفيديو التوعوي الذي أعدته إحدى الجمعيات الخيرية المهتمة برعاية الأطفال والأسر الفقيرة في الولاياتالمتحدة أكثر من 2.5 مليون مشاهدة منذ بثه على موقع اليوتيوب مطلع شهر يوليو الماضي. وبمجرد الانتهاء من مشاهدة هذا الفيديو أصبت بالدوار من كثرة التفكير في حجم الكوارث المأساوية المحتملة هنا في المملكة نتيجة لانتشار «ظاهرة» ترك الأطفال داخل المركبات بمفردهم، وربما الجميع يشاهد ذلك بكثرة أمام مواقف المحلات التجارية والدوائر الحكومية، وللأسف الكثير من الآباء يجدون أنفسهم في العديد من الحالات مضطرين لترك أبنائهم الصغار داخل المركبات بمفردهم بهدف قضاء بعض المهام السريعة والعاجلة مثل شراء بعض المستلزمات المنزلية أو إنهاء معاملة سريعة، دون أن يضعوا في الحسبان حجم المخاطر وتبعياتها، وحتى وإن أخذوا بعض التدابير مثل تأمين إغلاق الأبواب وتشغيل جهاز التكييف، لا يعني هذا أن الطفل بات في مأمن. وإن كان البعض يرى بأن التحذير من ترك أطفالهم داخل المركبات بمفردهم لمدة قصيرة لا تتجاوز دقائق معدودة فيه «مبالغة»، فهؤلاء مخطئون 100% وعليهم إعادة حساباتهم، فقد حذرت جهات أمنية وصحية العام الماضي من حوادث الاختناق داخل السيارات التي تحدث في فصل الصيف بحرارته الشديدة والتي راح ضحيتها العديد من الأطفال في السنوات الماضية، وأكدت هذه الجهات بأن خمس دقائق فقط كافية لاختناق طفل متروك بمفرده في سيارة مغلقة وفي حالة تشغيل داخل موقف مغلق، والحوادث المأساوية من هذا القبيل قد تحدث في لمح البصر، ونستشهد بالبعض منها على سبيل المثال لا الحصر، فقبل عامين توفيت طفلة عمرها 10 سنوات في مكةالمكرمة اختناقا بعد أن نسيها أفراد الأسرة داخل المركبة بمفردها تغط في نوم عميق بعد العودة من رحلة ترفيهية، وخلال العام الحالي، وتحديدا في موسم الصيف الذي نمر به الآن، رصدت الصحف المحلية العديد من الفواجع الشبيهة والمكررة، ومن بينها وفاة طفلين عمرهما لا يتجاوز 3 سنوات اختناقا داخل مركبة في المدينةالمنورة بعد أن خرجا من المنزل في وقت الظهيرة دون أن ينتبه لهما أحد، وركبا في السيارة التي أغلق بابها عليهما، وقبل أقل من شهر توفيت طفلة (6 سنوات) في الرياض اختناقا داخل مركبة والدها بعد نسيان والديها أنها نائمة في المقعد الخلفي الثالث للسيارة وانشغالهم خلال زيارة أحد الأقرباء. ويبدو أن موسم الصيف شديد الحرارة يأبى أن ينتهي دون أن يحصد أكبر عدد من وفيات الأطفال نتيجة ترك آبائهم لهم داخل المركبات بمفردهم ونسيانهم لاحقا، ومن أواخر هذه الحوادث، وفاة طفل في الخامسة من العمر اختناقا داخل مركبة والده بالطائف، بعد أن مكث فترة ما قبل الظهيرة يصارع الموت داخلها، نتيجة نسيان والده الذي دخل المنزل دون شعور بفقدانه. عموما، حوادث وفاة الأطفال اختناقا داخل المركبات هي ظاهرة عالمية ولا تقتصر علينا فقط، فالولاياتالمتحدة وحدها تشهد وفاة طفل أسبوعيا نتيجة تركه بمفرده داخل المركبة وأسباب الوفاة هي عادة ضربة الشمس والاختناق، وهذه الحوادث تتزايد خلال موسم الصيف في الكثير من دول العالم. ولا خلاف في أن جميع هذه الحوادث المذكورة هي من قضاء الله وقدره والكثير منها نتيجة نسيان أو انشغال غير مقصود، ولكن هناك حالات إهمال عديدة ومجرد التفكير بترك طفل بمفرده داخل مركبة هو «إهمال جسيم» وتمهيد لهذه الحوادث المأساوية، والحد من وقوع مثل هذه الكوارث يتطلب عدة أمور مازالت غائبة، أبرزها عدم توفر إحصائيات وتقارير عن جميع هذه الحالات أو عدم الإفصاح عنها ونشرها، وشح الدراسات، وانعدام برامج التوعية من خطر ترك الأطفال بمفردهم داخل المركبات على غرار مقطع الفيديو الأجنبي المذكور في مقدمة هذا المقال، بالإضافة إلى عدم تداول الإعلام المحلي لصور الأطفال المتوفين حرصا على مشاعر أولياء أمورهم، ولكن نشر مثل هذه الصور بالرغم من حجم وقعها على النفس إلا أنها سوف تخلق هزة كبيرة داخل المجتمع وتلفت الانتباه إلى حجم الخطر. وعلى من يرى نفسه مضطرا لترك طفله داخل المركبة بمفرده ولو لدقيقة واحدة، عليه أن يفكر ألف مرة، فإن كان الموت بحد ذاته فاجعة إلا أن فقدان «الضنى» وبهذه الطريقة المأساوية ما هو إلا فاجعة الفواجع والأكثر ألما وحسرة... وتذكيرا برسالة وشعار الفيلم أعلاه: «نسيان لمرة واحدة.. ندم للأبد».