حتى الدول الكبرى، المكون الأساسي للنظام الدولي وصاحبة القرار الأول في السلم والحرب، والتي تملك فائضا كبيرا من القوة العسكرية والاقتصادية والأمنية، تجد نفسها في بعض المراحل تلجأ إلى الانتظار، لأن القضايا المطروحة أمامها شائكة، ولأن الخلافات في قيادة النظام الدولي واسعة ومعقدة، ولأن حالة عدم اليقين تكون هي المسيطرة وتكاليف كل قرار متسرع قد تصبح مستعصية على التحمل. وفي حالتنا الفلسطينية نحن نعاني من مجمل هذه العوامل السلبية الطارئة التي تواجه العالم، لأنها تنعكس علينا بشكل حاد، وبالتالي فإن الخيار الأول والأفضل والأكثر حكمة في هذه الحالة هو الانتظار أي الكمون الإيجابي، والانتظار أو الكمون لا يعني الانقطاع عن ما حولنا لأن هذا مستحيل، بل التعامل الحذر والدقيق والحريص وعدم الانجرار إلى الانقلابات الجزافية على الذات، والحرص على الإنجازات مهما كانت بسيطة واستثمار ما في اليد ببصيرة وحكمة عالية. وهناك دائما ما يمكن أن نلجأ إليه حين لا تكون الخيارات الكبرى متاحة، مثل أن ننشغل بالبيت من الداخل، وأن نعتني بحديقة البيت فنقتلع منها بعض الحشائش الضارة، وبعض الأغراس المتطفلة، وأن لا نسمح للألعاب الصغيرة أن تفلت من أيدينا إلى المجهول. ولو نظرنا إلى أنفسنا في الخمس سنوات الأخيرة منذ بدأ الانفلاش في توازن النظام الدولي، ومنذ بدأت فصول الخريف العربي الذي يطلق عليه اسم الربيع -غشا وخداعا-، ومنذ بدأت جماعات الإسلام السياسي تعرض نفسها بأبخس الأثمان في سوق السياسة الدولية لإلحاق أكبر قدر من الأذى بالأمة وقضاياها مقابل دور أي دور وقد نالنا من ذلك ضربات موجعة ويكفينا الانقسام الذي ينحدر الى مستوى الانفصال والخلاف الذي ينحدر على مستوى حماس الى العداوة الكاملة المكشوفة. لو نظرنا إلى أنفسنا بإنصاف فإن وضعنا رغم قسوته وصعوباته يكاد يكون معجزة بكل المقاييس، فنحن على أرضنا نبني ونشارك ونحاول، ومكانتنا الدولية في تصاعد، وعلمنا الوطني يوشك أن يرتفع على ناصية الأممالمتحدة، وهناك حالة انتباه دولية لا بأس بها ضد السلوك الإسرائيلي، هل قليل أن يتم الحديث عن الإرهاب اليهودي وحركتنا الوطنية الأسيرة في قمة الحضور رغم الأصوات المتداخلة بلا وعي في بعض الأحيان. وهناك جاهزية عالية الآن إلى استنفار إطاراتنا ومؤسساتنا الوطنية الى مزيد من الحضور والصياغات الجديدة مثل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والمجلس الوطني، وقدرتنا التي ما زالت موجودة على حفز العالم من حولنا بأن يستمر في المحاولة للبحث عن حل لقضيتنا التي لم تفقد عدالتها رغم كل ما جرى.. هذا هو الكمون الإيجابي الذي أدعو إليه، حراك محروس بالحكمة وأمل محروس بالمنطق واستنفار عميق للذات الوطنية.