ليس مستبعداً أن تتحوّل مجموعة الدول العشرين إلى «حكومة اقتصادية عالمية»، مع زيادةٍ في الأعضاء، أو تعديلٍ في آلية عملها. المجموعة باتت، ومنذ 2009 منتدى اقتصادياً يطرح المعضلات، يناقشها، يتوافق حول الخلافات، ويتخذ قرارات تعمل بموجبها المجموعات «الجيواقتصادية» أو البلدان الكبرى سواء الصناعية المتقدمة أو تلك الصاعدة. وبدا واضحاً في مواجهات ضمن المجموعات «الجيواقتصادية» أو في مسارات البلدان الكبرى، أن قراراتٍ اقتصادية استراتيجية تبقى أفكاراً إلى أن تتبناها «مجموعة العشرين»، ليُعمل بها دولياً. وباتت العلاقات ضمن مجموعة العشرين ذات ثقلٍ عالمي، ما بدا واضحاً في تجاوب الصين مع طلب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي اتباع سياسة مرنة في تحديد أسعار عملتها الوطنية اليوان (الرنمبيبي). وتسعى «مجموعة العشرين» إلى أن تكون قراراتها متوازنة، أو ذات صيغة عالمية تعيد التوازن إلى اختلالات الاقتصاد العالمي. ويخشى الأعضاء تأثير إحداثيات أي عضوٍ أو مجموعة اقتصادية أخرى في اقتصادهم، ما يدفع الولاياتالمتحدة والصين وكندا وغيرها إلى أن تتخوّف من سلبيات أزمة دول في الاتحاد الأوروبي وبخاصةٍ منطقة اليورو، أو أن تنعكس سياساتها التقشفية وبرامج اختذال الإنفاق في موازناتها العامة، على نمو الاقتصاد العالمي، فيتسبّبُ بنكسة تُحبط مساعي الحفز المالي التي باشرت تجني ثماراً، وإن محدودة. فالتعاطي داخل المجموعة، يُشبه إلى حدٍّ بعيد المناقشات التي تتداولها حكوماتٍ قريبة جداً من الحكومات التوافقية في الدول. إذ يتريّث الأعضاء الكبار في اتخاذ قراراتٍ فردية تتعلّق بأزمة المال العالمية، أو تكون نتيجة لانعكاساتها وتداعياتها. وبرز مثل هذا التعاطي في الشؤون ذات الطابع المالي العالمي، وبعضه نتاجٌ معولم، في التصدي للتهرّب الضريبي وضبط الأقنية التي تصبّ في الجنّات الضريبية. ووحّدت دول المجموعة جهودها لوقف التسيّب الضريبي حتى ولو خالف أحياناً قوانين «السرية المصرفية» كما بين الولاياتالمتحدة وسويسرا. وتتجلى روح التعاطي ضمن المجموعة، في محاولة أعضائها لنيل الموافقة الجماعية على قرارات تراها دولٌ فيها مناسبة لإصلاح شؤونها الاقتصادية أو المالية. ويترجم هذا الميل اقتراح الرئيس الأميركي ضريبة على المصارف التي حصلت على مساعدات من أموال دافعي الضرائب، وتلاقيه دول في الاتحاد الأوروبي مثل ألمانياوفرنسا وبريطانيا في فرض ضرائب على جهازها المصرفي. وتحاول البلدان المتقدمة في مجموعة العشرين، أن تحظى القرارات بإجماع الأعضاء، سواء في التنظيمات الهادفة إلى تحقيق توازن في أسواق المال، أو في تحقيق توازن في أسعار صرف العملات، أو في تقديم المساعدات المالية إلى البلدان المتضررة والأكثر حاجة إلى تمويل، لا بل حتى في القرارات المناخية المتعلّقة بخفض الانبعاث الحراري. وتبدو مجموعة الدول العشرين منتدىً اقتصادياً أكثر منه سياسياً، ويجانب أعضاؤه مقاربة المعضلات السياسية «الخلافية» العالمية. وتبقى المجموعة -، من بين المجموعات العالمية: الخمس (جنوب أفريقيا، البرازيل، الهند، الصين والمكسيك 2003)، والثماني (الولاياتالمتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا وإيطاليا عام 1975، كندا 1976 وروسيا 1998)، ومجموعة ال77 (تحالفٌ لدول نامية تأسست عام 1964 خلال إحدى حلقات مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية واتسعت لتشمل 130 عضواً)، والتحالف البوليفاري لشعوب أميركا (ألبا)، ومجموعة «آسيان»، ومجموعة الدول المستقلة في أوروبا الشرقية، وغيرها -، الوحيدة التي لم تخرج بعد عن نطاق مناقشة القضايا الاقتصادية بتشعباتها المالية والتجارية وبخاصةٍ النمو العام والبطالة وفرص العمل وغيرها. وقيل في المجموعة إنها سترسم إطاراً اقتصادياً بديلاً من النظام «الليبرالي الانفلاشي» الذي تسبّب بأزمة الرهون العقارية المجازفة، ومن ثم الأزمة الاقتصادية الكبرى، لكن قادتها ارتضوا للآن، بإعادة ترسيم زوايا دائرة الرأسمالية المتطرفة، التي انهكت مؤسسات المال الكبرى وأسواق المال العالمية وأسواق صرف العملات وكبّدتها خسائر أكثر من نصف قيمتها، التي كانت في الأساس «وهمية». واتاحت مجموعة الثماني-، بعدما فقدت دورها راعياً لنظامٍ اقتصادي يتماهى مع مصالح الشركات الكبرى العابرة للقارّات ومع النظام المالي المعولم، نتيجة الأزمة -، بروز مجموعة العشرين المتنوّعة العضوية والتي تتمحور حول مجموعة ثنائية «G2 من الولاياتالمتحدة والصين»، إذ بات صعباً على الاتحاد الأوروبي أن يكون ثالثاً إثر تخبط منطقة اليورو في أزمة مالية قاسية. وضمن إطار، «حكومة العالم الاقتصادية»، لا تتخلّى مجموعة العشرين عن ركيزتي النيوليبيرالية الأساسيتين: «التبادل الحر والحركة الحرّة لرؤوس الأموال»، حيث استغلّت الأولى عبر الشركات المتعدّدة الجنسية، «الفروق التفاضلية في المعايير الاجتماعية والضريبية والبيئية بين الدول ومناطق العالم، وعبر نقل مراكز الوحدات الإنتاجية من الدول المتطوّرة إلى دول متدنية الأجور، ما أدى إلى ضغطٍ متزايد نحو خفض أجور العمل. أما الثانية فعبر الجنّات الضريبية على نحو خاص». (لو موند ديبلوماتيك – تشرين الأول/أكتوبر 2009). لكنها في الواقع بدأت تضع القيود وتفرض الضوابط، وفي هذه الاتجاهات تتحوّل إلى «حكومة لاقتصاد العالم»، لكنها ذات وجه «تقريري».