على إثر تكرر وقوع بعض حوادث التحرش بالنساء خلال الأسابيع الماضية، ارتفعت مرة أخرى الأصوات الداعية إلى إصدار نظام يحد من انتشار التحرش، والمنتقدة لأولئك الذين ما زالوا يعارضون إصداره، مرة بالقول: إن الأمر مبالغ فيه، وأن حالات التحرش ما زالت معدودة لم تبلغ حد الظاهرة الاجتماعية ولا تستدعي القلق، ومرة بالقول: إن المطالبة بإصدار نظام للتحرش وراءها غاية مبطنة هي التمهيد لتشريع الاختلاط بين الجنسين! الذين يقولون إن مستوى وجود التحرش بالنساء غير مقلق لأنه لم يصل في حدته إلى درجة الظاهرة، وأنه لذلك لا يحتاج إلى استحداث نظام يكافحه ويحد منه، هل يعلمون حقا ماذا يعني أن يكون التحرش ظاهرة اجتماعية؟ إن التحرش متى صار ظاهرة اجتماعية دل ذلك على أنه مستفحل ومتفاقم ونسبة انتشاره عالية جدا، فهل يريدون الانتظار حتى يبلغ التحرش تلك المرحلة كي يبدأوا مكافحته؟ وآنذاك كم من الجهد والوقت سوف يحتاجون قبل أن يتمكنوا من القضاء عليه؟ فمن المعروف أن الأدواء تسهل معالجتها وهي في بدايتها، وكلما استفحل الداء شقت معالجته إن لم تصبح متعذرة، فلم الانتظار إلى أن يبلغ داء التحرش ذلك المبلغ المنهك لجسد المجتمع؟ اي منطق يقتضي ذلك؟ وبالنسبة لأولئك الذين يرون في إصدار نظام للتحرش تمهيداً للتشريع للاختلاط، هل سألوا أنفسهم ما الفرق بين وضع نظام يسن عقوبات للمتحرش، وعمل هيئة الأمر بالمعروف أو الشرطة؟ أليس أفراد الهيئة والشرطة يجوبون الأسواق والطرقات والمعارض والمهرجانات لمكافحة التحرش وحفظ الأمن؟ فهل وجودهم مدعاة لتشريع الاختلاط؟ ولو سلمنا جدلا أن إصدار نظام للتحرش هو حقا يشرع للاختلاط، أليس التشريع للاختلاط مع كبح التحرش بوضع نظام ينص على عقوبات صارمة للمتحرشين أخف ضررا من ترك المتحرشين يجولون آمنين ينشرون الفساد ويؤذون الناس بفسوقهم؟ خاصة أن وجود الجنسين معا في مكان عام وهو (المقصود بالاختلاط)، هو أمر مقر في الإسلام منذ عصر الرسول عليه الصلاة والسلام، فمنذ ذلك الوقت والنساء والرجال يوجدون معا في السوق وفي الطرقات وفي مجالس القضاء وفي المطاف والمسعى وعند الجمرات وفي المساجد أيضا (قبل أن تظهر في عصرنا هذا بدعة وضع حواجز تفصل بين أماكن النساء والرجال). طالما أن المتحرشين لا يخشون عقوبة صارمة، وطالما أنهم يلقون من يتعاطف معهم بالاعتذار لهم بعدم احتشام النساء أو خروجهن بلا محرم يرافقهن، فإن التحرش لن يتوقف.