ظاهرة تفجير المساجد بدأت تنتشر وتتوسع في مناطق كثيرة، ورأينا صورا مروعة لتفجير بيوت الله، فهي لم تعد مجرد أعمال عابرة بل أصبح من الواضح أنها أعمال ممنهجة وتخدم أهدافا استراتيجية لمن يقوم بها، وتفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول أهدافها، ومن يقف وراءها، ومن هو المستفيد منها ومن تكريس الشحن الطائفي في مجتمعاتنا؟ ولو أمعنا النظر لوجدنا أن الحقيقة الواضحة التي لا تخفى على أحد أن هناك جهة إقليمية معلومة هي التي تسعى وراء إثارة الفوضى وترهيب الآمنين. قد يقول قائل: ولماذا أغلب المساجد التي يتم تدميرها تتبع الطائفة الشيعية بالذات، والتفجيرات التي تحدث تستهدف بالدرجة الأولى مساجد محسوبة عليها، وللرد على مثل هذه التساؤلات ينبغي التأكيد على أن تفجير المساجد التي يؤمها إخواننا الشيعة يعد من مقتضيات المصلحة الإيرانية في تفكيك الروابط الاجتماعية وتمزيق النسيج الاجتماعي والجذور المشتركة، وبغية الحصول على مكاسب سياسية وتسويق مظلوميتهم الواهية تأجيجا لأحقاد تحرق الأخضر واليابس. فالفكر الصفوي يعتبر كل العرب بجميع طوائفهم بمن فيهم «الشيعة العرب» مجرد حطب لمحرقة طائفية عقائدية وتمزيق الوحدة الوطنية وزرع بذور الفتنة لتحقيق مصالح الدولة الفارسية المزعومة، وأحلامهم الزائفة بإمبراطورية واسعة في التوغل والسيطرة، وما التفجيرات الأخيرة للمساجد في المنطقة الشرقية والكويت ومن قبلها اليمن إلا شاهد على مخططهم المشؤوم في خلق اضطرابات واحتقان طائفي، وإقلاق تحالف عاصفة الحزم الذي ضيق الخناق على أذنابهم في اليمن، وإثارة البلابل الداخلية وخلط الأوراق التي لن تخدم أحدا سوى إيران من أجل تقويض جهود المملكة ودول التحالف في عاصفة الحزم وإعادة الأمل. إذا نظرنا للمشهد بنظرة فاحصة، لوجدنا أن إيران ومنذ سنوات تلعب بورقة الطائفية في مناطق الصراع السياسي في منطقتنا العربية والتي استغلتها لنشر الفتنة الطائفية كسلاح للتمدد والسيطرة كما فعلت في العراق ولبنان وسوريا وكما تحاول أن تفعل في اليمن. فهي بكل أجهزتها وفرق الموت التي تنشرها والشياطين الذين يتبعونها تعمل دون كلل أو ملل لزرع الفتن والتفرقة بين المسلمين وزعزعة أمنهم واستقرارهم بالتفجير والتدمير وقتل العزل وترويع الآمنين، ولن تنفك في إثارة العنف والاضطرابات في دول المنطقة، واستغلال الشيعة في هذه الدول لتحقيق طموحاتها وأحلامها وتنفيذ مخططاتها، وإغراق المنطقة في فوضى طائفية، ولذلك هي تسعى إلى تجييش الشيعة في كل مكان لصالح معركتها الخاصة وإشعال حروب داخلية تضعف من بنية الدول التي تقف في وجه صلفها وغرورها. ولو تخطينا الحدود واقتربنا من المشهد العراقي الطائفي الذي تورطت فيه إيران مع حلفائها من شيعة العراق لوجدنا جرائمهم التي يندى لها الجبين من ذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين عراقيين مسالمين وحرق مساجدهم ومنازلهم ومحالهم وقتل أطفالهم ونسائهم بدم بارد، وما أحدثوه من حرب طائفية لم تكن موجودة من قبل لولا تدخل إيران وعملائها في العراق واستسهالهم لقتل البشر وسفك الدماء والسعي لخراب الأوطان. ما أقسى الإجرام والفكر الضال حين يصل إلى هذا الحد في قتل الأبرياء وحين يطال المصلين والركع السجود وهم في بيوت الله آمنين. ومسجد الله روح الأمن والسعدِ كيف الخراب وفعل الغادر النكدِ إن استهداف المساجد عمل إجرامي يحرمه ديننا الحنيف، حتى ولو اختلف المذهب وقد قال الله في كتابه عنها: «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه»، بسبب ما تجره من فتنة طائفية وخرق للتعايش وتفكيك للأوطان واتساع لدائرة التمزق والشتات التي لن تنتهي إلا بحوادث أليمة وصراعات دامية. في الختام، ومن أجل هذا الوطن الذي يعد ربان سفينة الدين والإسلام لا سيما بعد أن ضربت الأيادي الإيرانية الخفية مساجدنا في القطيف والدمام بهدف جرنا إلى صراع طائفي وزعزعة استقرارنا وشق نسيجنا المجتمعي، علينا أن نكون يقظين وأن نعي حقيقة ما يجري حولنا وما يحاك لنا، والمبادرة لمواجهة هذا الطوفان المظلم، وحماية تماسكنا، وترسيخ وحدتنا الوطنية حتى نكون جميعا سدا منيعا أمام المؤامرات والدسائس والمشروعات والأطماع الخارجية. «لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم».. كفى الله بلادنا شرور الفتن وحمى الله ديار المسلمين من كيد الكائدين ومكر الماكرين. ودمتم سالمين.