لا أجوبة مباشرة ونهائية على التساؤلات التي تطرحها التحركات الأردنية في عواصم القرار الدولية وبعض العواصم العربية، والتي بدأت بعد توتر علاقات عمان مع بغداد في أعقاب اطلاع العاصمة العراقية على تقارير أمنية تتناول الدور الأردني المعمق خلف الأضواء بالتنسيق مع العواصم المؤثرة عربيا ودوليا لإنجاز الخطة الأردنية المتعلقة بتسليح وتأهيل العشائر السنية في الأنبار. حكومة بغداد التي ترحب بأية شراكة في معركتها ضد داعش تتعامل بحساسية وتحفظ مع مشروع التسليح الأردني للعشائر السنية، ليس فقط لأنها تفضل أن تكون طرفا أساسيا في الإشراف على برنامج من هذا النوع، ولكن حكومة حيدر العبادي تخشى أن يساهم تأطير العلاقة بين الأردن والعشائر السنية في تشكيل مركز قوة سني في معادلة الحكم. وقد دفع تطور الموقف بين عمانوبغداد، رئيس الوزراء العراقي لإيفاد مدير مكتبه إلى عمان حاملا رسالة احتجاجية ترفض التدخلات الأردنية في الشأن العراقي، وهي رسالة لم يتوقف الأردن طويلا أمام ما ورد فيها كما قال ل «عكاظ» نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي. في المقابل، استمعت «عكاظ» لأكثر من مسؤول أردني يشخص الحالة العراقية الراهنة التي يبرز فيها القلق الشديد من تنامي قوة الميليشيات الشيعية التي باتت تتحكم بالقرار السياسي لحكومة العبادي، وهو وضع مقلق في حسابات الأردنيين لأنه يغير معطيات المعادلة السياسية، ويعزز نزعات الانفصال عند مكونات أخرى في المجتمع العراقي، ويخدم بالنتيجة عزل المكون السني ويقدم بالتالي الذخيرة التي تتغذى عليها اجتماعيا «داعش». التشخيص الأردني للمعادلة العراقية يدفع عمان للتعامل مع الحدث العراقي خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأنبار المحاذية للحدود الأردنية وما يحصل فيها تياز لا يمكن التغاضي عنه ولا التفاعل معه وفقا لقواعد العمل الدبلوماسي بين الدول، فالجيش النظامي العراقي غير موجود على الحدود وقواه خائرة ومتهالكة، والميليشيات الشيعية تحكمه، والحل الأمثل لتأمين سياسة الردع الأردنية في العمق هو العمل داخل الأراضي العراقية خصوصا أن داعش باتت على بعد 25 كم من حدود الأردن. ويرى النجيفي الذي انتقد الاحتجاج الرسمي العراقي على برنامج التسليح الأردني، أن حكومة العبادي هي من أنتجت مثل هذا البرنامج بعدما امتنعت عن تزويد العشائر السنية بالسلاح. وعلمت «عكاظ» أن الدبلوماسية الأردنية تمكنت من تمرير هذا البرنامج عبر القنوات الخلفية للمجتمع الدولي وللأطراف الإقليمية، وقد اعتبر مسؤولون أردنيون تحدثوا ل «عكاظ»، أن البرنامج حلقة أساسية من منظومة الدفاع الردعية للجيش الأردنية في مواجهة «داعش». وخلال الأيام الماضية جرت ترتيبات معمقة في سياق البرنامج خلف الأضواء وبالتنسيق مع جهات عربية ودولية ممولة وداعمة لعملية تسليح العشائر السنية في العراق، وهي ترتيبات في مرحلتها النهائية، ما دفع الأردن للتعامل مع رسالة العبادي وكأنها لم تكن، إذ أن الأمر بالنسبة للأردنيين لا ينطوي تحت ستار التدخل في شؤون الآخرين ولا البحث عن معركة لمواجهة «داعش» بقدر ما ينطوي على تجنب النوم في الاحتمالات وتعزيز منظومة الأمن الدفاعي عن الحدود. ويعتبر خبراء سياسيون أن تسليح العشائر في العراق، محاولة استباقية للدفاع عن الأردن من خارج حدوده، وأن هذه العشائر تمثل حليفا للأردن، ويرغب أبناؤها في محاربة «داعش» ما يصب في مصلحة الأمن الوطني الأردني بحيث تشكل هذه العشائر حاجزا بين الأردن والجماعات الإرهابية.