لم أضع في أجندتي لشهر رمضان المبارك لهذا العام زيارة لتأدية مناسك العمرة، لأسباب أعلمها، إلا أن مشيئة المولى عز وجل غيرت كل ما في تلك الأجندة. في مساء اليوم الثاني من رمضان كنت أمام منزلي قبيل المغرب، أنظر إلى المساء الجميل، في انتظار موعد الإفطار، إلا أن جاري العزيز أوقف سيارته، ويطلب الإذن مني والسموحة، لأداء مناسك العمرة وإنه سيغادر الساعة الثانية فجرا. دار حديث بسيط بيننا فودعنا بعضا. شعرت بسعادة غامرة بأن جاري جاء لأودعه ويستأذن، وحمدت الله، لم يتغير شيء في ذاتي حينها، إلا إنني انتظرت ساعة الإفطار. أثناء زيارتي إلى بيت ابنتي سمعت أن أحد جيرانهم توفيت جدته ويعتذر عن الذهاب إلى العمرة. لحظتها تذكرت جاري بأن الرحلة اليوم، فشعرت بهواء بارد يدخل إلى قلبي، أحسست بشعور غريب يشدني إلى ذلك المكان الطاهر، إلى مكةالمكرمة والمدينة المنورة، عندها اتصلت بجاري، وقلت له إن أحد الراغبين إلى العمرة سيتأخر، ولم يذهب بسبب وفاة جدته، قال نعم، قلت له هل من الإمكان أن أحل محله، قال سأتصل بصاحب الحملة وأعتقد سيكون من نصيبك. ما هي إلا دقائق ويأتي الرد بالإيجاب. أبلغت الأهل بأنني سأذهب إلى العمرة اليوم، أرجو تجهيز حقيبة السفر، كانت الساعة الثانية فجرا، على أن أكون في مكان التجمع عند الساعة الثالثة فجرا، المسافة بين مدينتي (قريات) ومسقط قرابة ساعة. لم يكن في الحسبان أن أقضي جزءا من أيام شهر رمضان المبارك في جنبات الحرم المكي الشريف ضمن الطائفين المصلين، مؤديا مناسك العمرة. أتلهف شوقا إلى الوصول، نعم إنها مكةالمكرمة لا غيرها من المدن في العالم، مكة السلام، الأمان، والطمأنينة، ترتاح لها النفس، وتشتاق إليها القلوب، نعم مكةالمكرمة إذا دعيت فيها رب العزة والجلال غفر ذنبك وقبل توبتك وأعطاك. برغم مشقة الطريق وبعد المسافة، وما واجهنا من عطل في الحافلات، إلا أنني عندما نظرت إلى البيت الحرام، انزاحت كتلة التعب، وتبدلت إلى راحة وفرحة وسرور، لحظة النظر إلى البيت الحرام ذرفت عيني بالدموع، دموع الفرح، الشوق إلى بيت الله الحرام. فمكة تسلب الألباب. وبعيدا عن تلك الروحانيات التي تجلت في ليالي رمضان في البيت الحرام، هناك مشاهد أخرى تجلت في الإنسان السعودي، لا سيما فئة الشباب، فقبيل لحظات الإفطار، نشاهد طيورا بيضاء ترتدي زيا أخضر، يرمز إلى علم الدولة، يقومون بتقديم وجبات الإفطار للمصلين والمعتمرين بشكل منظم ورائع، يوحي إليك بأن هناك مدرسة الضيافة السعودية، دربت هؤلاء الشباب على كيفية معاملة ضيوف الرحمن من معتمرين ومصلين وزائرين، من خلال إدارة سعودية. مشهد رائع، كروعة جمال ونزاهة المكان، وفي مشهد آخر تجلت فيه روح الكرم المكي من أهل مكة، فعندما فرغنا من أداء صلاة المغرب، وتوجهنا إلى الفندق، فإذا بفتية يقدمون لك فنجانا من القهوة، والشاي الأحمر، وأنت في طريقك إلى المنزل، وآخر يقدم لك كوبا من ماء زمزم مع ابتسامة الرضا على محياهم. تلك هي سمات أهل مكة في كرمهم وألفتهم وحبهم لضيوف الرحمن، خلعوا عباءة الأنا، ولبسوا لباس الأبيض والأخضر، الذي يشير إلى المحبة والتكافل والتعاون، ولكي لا يشعر الضيف بأنه غريب.