لقد سعدت وتشرفت بالثقة الملكية الغالية التي أولاني إياها خادم الحرمين الشريفين بتعييني عضوا في مجلس الشورى الموقر لثلاث فترات متتالية. وهو تشريف أعتز به مدى الحياة، وتكليف أتمنى أن أكون قد قمت، ولو بالحد الادنى من أعبائه. وفي هذه المرحلة مازلت – وربما أغلب زملائي – نشعر بأننا كنا ومازلنا مقصرين.. فديننا ومليكنا ووطننا يستحق من كل منا بذل أقصى ما يستطيع لخدمة هذا الوطن وأهله.. فهذه الخدمة هي شرف أولا، ومسؤولية كبرى ثانيا. لذلك، فإن الواحد منا يظل مقصرا مهما عمل، فما بالك عندما يشعر بأنه كان بإمكانه أن يعمل أكثر، لولا معوقات قد تخفى على البعض. وأجزم هنا بأن الغالبية العظمى من أعضاء مجلس الشورى المائة والخمسين (سواء السابقين أو الحاليين) تنبض بحب الوطن، وبالشعور الوطني المرهف، وتتوق لتقديم كل ما يستطاع لخدمة الوطن والأمة. إن من يحضر، ولو جلسة واحدة من جلسات مجلسنا، سيلمس على التو أن الهاجس الرئيس لكل عضوة وعضو فيه هو: مصلحة الوطن والمواطن.. فالكل يتبارى لتقديم عصارة فكره ليحظى بشرف هذه الخدمة السامية. وذلك في إطار وحدود نظام مجلس الشورى، وما يقتضيه من التزامات. ولا أريد هنا أن أسترسل في سرد بعض أهم ما يقوم به هذا المجلس (التشريعي الاستشاري) من مهام وأعمال جليلة، لأن شهادتي في هذا المجلس تظل «مجروحة»، ولأن الهدف الرئيس من هذا المقال، والذى يليه، ليس هو الحديث عن مجلس الشورى، وإنما الحديث عن مكافحة التمييز العنصري والفئوي، حفظا للحمة والوحدة الوطنية التي يؤكد عليها ولاة الأمر في كل حين، ويحرص على دعمها كل مواطن مخلص، ويوليها مجلس الشورى أيضا جل اهتمامه، رغم ما حصل من سوء فهم مؤخرا. *** وما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو حديث المجتمع ووسائل الإعلام المحلية حاليا عن «إسقاط» مجلس الشورى لنظام «الوحدة الوطنية» الذي عرض على المجلس في جلسته المنعقدة في آخر شهر شعبان المنصرم. لم أتمكن من حضور تلك الجلسة، بسبب سفري إلى الولاياتالمتحدة مع وفد رسمي لمجلس الشورى زار أمريكا، وكونجرسها، ابتداء من يوم السابع من شهر يونيو 2015 م. وعرفت عن بعض ما حدث من نقاشات باقتضاب من بعض الزملاء، ومن الصحافة المحلية. وبالتالي، لا أستطيع أن أحكم على مدى صحة نتيجة التصويت، وإن كنت آسفا على سقوط ذلك النظام.. الذى اطلعت عليه، ووجدت أنه صالح بقليل من التعديلات. ولو كنت حاضرا لصوت بملاءمة دراسته من قبل اللجنة التي قدمته للتصويت. وأظن أن سبب سقوطه غالبا ما يكون نقاطا نظامية معينة. ولكن ما حصل، على أي حال، أقلقني على نظام مشابه تقدمت به عبر المادة 23 من نظام مجلس الشورى، وهي المادة التي تجيز لأي عضو أن يتقدم بنظام أو مقترح جديد، أو تعديل لنظام قائم. فقد سبق أن تقدمت بمشروع هذا النظام بتاريخ 28/7/1435 ه، فأعيد إلي لإجراء بعض التعديلات. ثم أعدت تقديمه بتاريخ 8/8/1436 ه، وهو بعنوان: نظام مكافحة التمييز العنصري والفئوي، الذي بت أخشى الان أن يلقى نفس مصير نظام الوحدة الوطنية، لهذا السبب أو ذاك. إن ما قدمته هو مجرد فكرة بسيطة ومتواضعة... أو «مشروع» نظام.. ويحتاج إلى نقاش ودراسة مكثفة، وإعادة صياغة من قبل المجلس الموقر ولجنته المتخصصة. والمجلس بما فيه من علماء وخبراء وما له من إمكانات، قادر على بلورة هذه الفكرة (القديمة – الجديدة) وإخراج نظام متكامل منها.. أعتقد أن البلاد في حاجة ماسة له، ولتطبيقه. ولن أنشر نص مشروع النظام بالطبع، ولكنني أستأذن لكتابة نبذة عنه، وعن مبررات الحاجة له في المقال القادم، بإذن الله..