الشورى مبدأ أصيل في الإسلام تقوم على نتائجه وثمراته القوانين والأنظمة الضابطة لشؤون المجتمعات. ومن خصائصه المرونة وقابليته للتشكيل في القوالب المتجددة بحسب واقع الحياة وتطور أساليب العلاقة بين المجتمع ومؤسساته. وهو في بلادنا امتداد لهذا الإرث الراسخ فقد عرفت المملكة مجلس الشورى منذ 7431ه ثم أعيد تجديده وتحديثه وفق مقتضيات العصر عام 2141ه. ولأن روح التجدد هي التي تضمن طاقات الاستجابة للعصر وتطور الحياة وتعقيد العلاقات بين المجتمع الواحد والمجتمعات الإنسانية في عمومها، كانت الحاجة ماسة إلى إعادة النظر في قوالب الشورى مع الاحتفاظ بروحها وثمراتها. وهذا الحوار يستطلع رأي رجل خاض تجربة مجلس الشورى لثلاث دورات، عايش فيها تطور أنظمته والتوسع في أعداد أعضائه. نحاوره بهدف التعرف على المزيد عن هذه التجربة ونظرته للمستقبل. إنه الدكتور عبدالله يحيى بخاري عضو مجلس الشورى السابق والأستاذ الجامعي والمستشار الهندسي. الدكتور عبدالله يحيى بخاري أنت من القلائل الذين قضوا ثلاث دورات داخل أروقة مجلس الشورى وهي تجربة يستحق أن يطلع عليها الناس فما هي أبرز ملامحها ؟ أول شيء ما أحب أن أنوه عنه هو أنني تزاملت مع مجموعة من الرجال السعوديين المتميزين فكريا وثقافيا وعلميا ومهنيا، في مجالاتهم وتخصصاتهم وفي معاملاتهم العامة، ولم أكن أتصور أنه يوجد لدينا هذا الكم الهائل من الرجال المتميزين. كنت أعرف أنهم موجودون ولكن لم أكن أتصور أنهم بهذه الكثرة وهذا العمق وتكونت معهم علاقات وصداقات متينة للغاية لا تقل قيمة عن تلك التي تكونت مع أصدقاء الطفولة عندما كنت تلميذا في المدارس الابتدائية والتي تعتبر من أمتن الصداقات التي يكونها المرء على مدى حياته ولا يمكن أن تنسى، بالإضافة إلى أن صداقات المجلس تمتاز بالنضج والوعي ولهذا كانت تجربة ثرية وممتعة حقا. وطبعا تختلف الصداقات حسب توجهات كل شخص، فهناك أشخاص تستطيع أن تتبادل أو تتواءم معهم في الفكر والرأي، ولا يعني ذلك التوافق والتطابق التام في كل شيء، لكن على الأقل أن يكون هناك حوار فكري مثمر. وبالطبع هذا لا ينطبق على الجميع ولكن على الأقل يتوفر في عدد لا بأس به. هذه نقطة، النقطة الثانية التي أود التنويه عنها أنه يؤسفني حقا أن أقول إن العضو الجاد بعد فترة من العمل في مجلس الشورى قد تنتابه حالة من الدهشة والاستغراب. حالة الاكتئاب أظن أن العضو الذي يدرس كل ما يأتيه من موضوعات، ومعوقات وإنجازات وتحديات، ويتفحصها بدقة وجدية، غالبا ما يصاب بنوع من الهم أو الإحباط. بالنسبة لي شخصيا دخلت المجلس وأنا أستاذ جامعي ومهندس استشاري، درّست في ثلاث جامعات في المملكة وشاركت في تأسيس كلية عمارة وتخطيط وترأستها ولكن لم أعمل في ماكينة الحكومة من قبل، وفي المجلس تعرفت على كل النواقص والمشاكل التي تواجه الجهاز الحكومي، ولم أكن أتصور إطلاقا أن يوجد هذا الكم الهائل من التحديات والمعوقات التي تواجه الأجهزة الحكومية، فأصابني نوع من الهم والوجل، وكنت أسأل نفسي، كيف تسير «ماكينة» الإنتاج والإنجاز بالرغم من كل هذه المعوقات والمشاكل ؟ وهل كل الدول تواجه هذا الكم من التحديات والمعوقات والعقبات ؟، وإن كان كذلك فكيف تعالجها وتتغلب عليها أو تتفاداها ؟. وكانت تعرض علينا تقارير من كافة الجهات والوزارات عدا بعض الوزارات السيادية مثل وزارة الدفاع وتقارير شركة أرامكو وتقارير أجهزة وزارة الداخلية، وكنا نتمنى أن نحصل على هذه التقارير حتى نستطيع تأدية الدور المنوط بنا على أكمل وجه، ولكن الأمر ليس بيد المجلس في هذا الخصوص. أشرت إلى أن بعض أعضاء المجلس لم يكن جادا فما هي معايير اختيار أعضاء مجلس الشورى، وما هو تقييمكم لهذه المعايير ومدى جدواها، وهل هي صالحة للاستمرار عليها ؟ الغالية العظمى من أعضاء مجلس الشورى تم اختيارهم على أساس المقدرة والكفاءة، وروعي في اختيارهم تنوع الاختصاصات من الناحية المهنية. وهناك فئة ثانية من الأعضاء تم اخيارهم على أساس معيار القبلية أو المناطقية، وثالثة تم اخيار أعضائها كتكريم لهم من الدولة على ما قدموه من خدمات خلال مسيرة حياتهم العملية، وفئة رابعة صغيرة وربما تكون غير موجودة وقد أكون مخطأ وهم من ترغب الدولة في إراحتهم وتجربة دماء جديدة في وظائفهم الأصلية، وهم إن وجدوا، يعدون على أصابع اليد الواحدة. ولكني أرى أن معايير اختيار الأعضاء هي معايير موضوعية وجيدة، ولو تم اختيار كامل الأعضاء بالانتخاب ربما لن نحصل في الوقت الحالي على هذا الكيف من التنوع والكفاءات المبدعة داخل المجلس. من خلال تجربتك لو أنك مستشار لصاحب القرار في تكوين المجالس في المرحلة القادمة ما هي ملاحظاتك التي ترى أنها يجب ألا تتكرر ؟ سوف أحور السؤال قليلا وأتجه للحديث عن معايير اختيار أعضاء مجلس الشورى والصفات الواجب توافرها في العضو المختار. أولا يجب أن يتوافر في الأعضاء شرط الكفاءة، وكذلك صفة الأمانة .. أمانة الرأي. فآراء الأعضاء تشكل في النهاية قرارات المجلس. ويجب أن يكون لدى العضو المختار القدرة على العمل ضمن فريق واحد، ويجب أن يكون صاحب تخصص بمعنى أن تكون له خلفية علمية في أحد التخصصات، بالإضافة إلى نظرة شمولية في الأمور الأخرى، ويجب أن يكون بعيدا كل البعد عن القبلية أو المصالح الذاتية أو العنصرية. وعودة إلى السؤال، فأنا شخصيا أرى ألا يوضع أو يعين أو ينتخب في مجلس الشورى كل من يسعى إلى مصلحة خاصة أو أهداف شخصية، أو كل من يظن أن عمله في المجلس ما هو إلا خطوة لمنصب آخر هام أو وظيفة حكومية كبيرة، أي أن المجلس بالنسبة إليه ما هو إلا محطة عبور لشيء أهم أو وظيفة أكبر في الحكومة. لا بد أن يعلم عضو مجلس الشورى أنه كلف بأمانة كبيرة وثقيلة، وأن ولي الأمر قد وضع ثقته فيه لتحمل هذه الأمانة أمام الله وأمام الوطن، وأنه قد قبلها على نفسه طوعا باختياره، وعليه أن يكون على قدر ومستوى هذه الثقة والأمانة، وأن يؤديها بكل تجرد وصدق وضمير. والحقيقة أن المهمة ليست سهلة، إلا لمن لا يعرف قدرها. إذا أنت لا تميل إلى معيار التمثيل القبلي أو المناطقي ولست من مؤيديه ؟ هذا صحيح .. فأنا لا أميل إلى القبلية فكلنا أبناء وطن واحد والكفاءات موجودة في كل مكان والمجلس يمثل جميع أطياف المجتمع. حقا قد يوجد اختلاف في وجهات النظر بين الأعضاء ولكن بالمقابل كان هناك احترام متبادل وملموس ولكني أرى أن القبلية ليست المعيار الصحيح لاختيار أعضاء مجلس الشورى عموما، وهو لم يكن كذلك فيما أعتقد. لكن ماذا لو اجتمعت الكفاءة مع التنوع المناطقي والقبلي ألا ترى أن ذلك يحقق رضا الناس ؟ التمثيل المناطقي ربما يكون مفيدا أو مرغوبا فيه، فيهتم كل عضو بمشاكل منطقته التي يعلم عنها أكثر من غيره. وهذا صحيح في المجالس المنتخبة. لكن أنا ضد القبلية والطائفية، ومجلس الشورى ليس برلمانا بمعنى الكلمة، فهو مجلس شورى معين يطلب منه ولي الأمر الاستشارة. وذلك يعني أنه لا يخضع لتمثيل المناطق أو تمثيل شعبي أو قبلي، أو أن تكون مرجعيته القبلية والفئوية أو الطائفية، ومن الممكن أن يترك ذلك لمجلس آخر منتخب مستقبلا إن رأينا أن ذلك فيه المصلحة العامة ومصلحة البلاد والعباد. بمناسبة الحديث عن الانتخاب هل أنت مع الانتخاب في المرحلة الحالية ؟ أعتقد أنه من الممكن البدء في عملية الانتخاب في الدورة بعد القادمة ولو بشكل جزئي وليكن ثلثي الأعضاء مثلا وقد جربنا هذه التجربة في بعض القطاعات كالمجالس البلدية والغرف التجارية الصناعية. صحيح أنها لم تنجح بنسبة مائة بالمائة ولكن لا بد من خوض التجربة لكي نتعلم منها، وأتمنى أن نخوض هذه التجربة بعد الأربع سنوات القادمة، أو في الدورات المقبلة إن شاء الله. والإنسان لا يتعلم ويكتسب الخبرة والحنكة إلا بالتجربة المستمرة والمتوارثة. وأنا على يقين أن هذا الأمر لا بد وأن يكون ضمن الخطوات القادمة المخطط لها لمستقبل مجلس الشورى. أشرتم إلى مناقشة تقارير الوزارات باستثناء الداخلية والدفاع فكيف مضت علاقة المجلس بالأجهزة التنفيذية وإلى أي مدى يملك المجلس صلاحيات في مواجهتها بحيث يستطيع أن يحصل منها على ما يريد ؟ وكيف كان تجاوب الأجهزة التنفيذية مع المجلس ؟ هذا سؤال جيد ومهم للغاية، حقيقة ممثلو الوزارات ورؤساء الهيئات عندما يأتون إلينا في اللجان أو في الجلسات العامة للمجلس يأتون بشيء من الرهبة والترقب، فالمسؤول يرى أمامه ما يقرب من 150 عضوا كثير منهم متحدثون ومتمكنون وأسئلتهم ثاقبة ودقيقة ومحددة، فيشعر بالرهبة. ونلمس ذلك من خلال اصطحاب المسؤول لعدد كبير من موظفي جهازه لمعاونته في الرد على استفسارات الأعضاء، وهذا يدل على الرهبة من مواجهة الأعضاء بمفرده. وكثير من الوزراء ورؤساء الهيئات كانوا مقدرين ومتعاونين ويأتون إلى المجلس بقلب وعقل مفتوح ويتقبلون آراء الأعضاء بصدر رحب، بينما البعض الآخر (وهم قلة) لم يكونوا منفتحين ولم يقدموا الإجابات الشافية وكان هناك نوع من عدم الوضوح في حديثهم، ونلمس ذلك مع بداية الحديث. وعندها نشعر بالإحباط ونفقد الحماس للاستمرار في النقاش والاستماع، بل إن البعض منا يجمع أوراقه ويترك الجلسة ويخرج. فالعلاقة يجب أن تكون علاقة تكامل وجهود موحدة ومركزة تجاه هدف وطني واحد، وإذا كان هذا برلمان كما يجب أن يكون فلا بد أن يكون الأعضاء عين مراقبة ومحاسبة وتمثل الشعب وتعين الحكومة وولي الأمر في اتخاذ القرارات الصائبة. مرتبة عضو المجلس وكنت أتمنى ألا تقل مرتبة أعضاء الشورى عن وزير أو المرتبة الممتازة حتى يستطيع مواجهة المسؤولين وأن يكون عضو المجلس متفرغا تماما لعمله بالمجلس، فهو عمل يحتاج إلى الكثير من الجهد والفكر والقراءة. أما أن يكون العضو في المرتبة الخامسة عشر وغير متفرغ فكيف يمكنه حينذاك مواجهة وزير ؟ وأتمنى أن يأتي اليوم الذي يعطى فيه مجلس الشورى سلطة على الجهات التنفيذية فيحسبون حسابه ويكون من حق أعضائه المشاركة في تعيين المسؤولين، ويحق لهم طلب سحب الثقة من المسؤول الذي لا يتقن القيام بمسؤولياته ولا يؤدي المهمة المنوطة به على أكمل وجه، ويفشل في أن يكون أهلا للثقة التي أعطيت له من قبل القيادة والوطن. إذا كان المجلس يواجه بعض المصاعب مع الأجهزة التنفيذية فما دوره في تطوير الأنظمة والمنظومة التشريعية ؟ أولا لا بد أن نعرف أن أي نظام في الدولة يمر بعدة خطوات، حيث تتم دراسته في مجلس الوزراء من جانب هيئة الخبراء ثم يحال على مجلس الشورى الذي يقوم بدوره بدراسته ويقتر ح التعديلات عليه ويعاد مرة أخرى إلى الملك الذي يعرضه بدوره على مجلس الوزراء مرة أخرى، فإذا وجد تباين في وجهات النظر بين مجلس الوزراء ومجلس الشورى، يعود مرة أخرى إلى الشورى بتباينه ويبدي فيه المجلس وجهة نظره التي تعتبر خطوة نهائية ولكنها غير ملزمة، ويعاد مرة أخرى إلى الملك لاتخاذ القرار والأخذ بأحد الرأيين أو التوجيه بما يراه هو. المساهمة في تطوير الأنظمة ومن هنا ساهم المجلس مباشرة في تطوير الكثير من أنظمة الدولة التشريعية، كما أنه قام بوضع الأنظمة الجديدة الأخرى التي أصبحت الآن محل التطبيق. لكن بعض الوزارات أو الأجهزة الحكومية عندما تريد تمرير نظام معين بدون أخذ رأي مجلس الشورى فتطلق عليه مسمى تنظيم وليس نظام، أو تنتهز فرصة الإجازة السنوية للمجلس لتمرير ذلك القرار، وهذا لا يحدث كثيرا. ولم يكن المجلس يرتاح إلى تلك الطريقة وهذه القرارات، وكنا ننتهز أي فرصة يعرض فيها على المجلس أي شيء يتعلق بتلك القرارات فنعمل على تعديلها أو إعادة النظر فيها، وفي كل الأحوال ما يزال المجلس محتاجا إلى المزيد من الدعم والصلاحيات كونه جهازا تنظيميا أو تشريعيا ودوره في الجهاز الحكومي مهم للغاية. والآن يلعب مجلس الوزراء الدورين التشريعي والتنفيذي وهذا ينبغي ألا يكون، فدوره المنوط به يفترض أن يكون دورا تنفيذيا فقط أما مهمة التشريع والتنظيم فهي من اختصاص مجلس الشورى أو مجلس نيابي مستقبلي منتخب بوعي اجتماعي كامل. دكتور .. المادة 23 من نظام مجلس الشورى تعطي العضو الحق في أن يتقدم باقتراحاته منفردا بعد أن كان الاقتراح يشترط اجتماع عشرة أعضاء. هل فعلت هذه المادة وأدت دورها أم ترى أن هناك نوعا من القصور في إعمالها ؟ صحيح، المادة (23) عدلت منذ أكثر من أربع سنوات، لكنها فعلت وخرج من تحت عباءتها الكثير من الأنظمة والقرارات .. وأذكر أن الزميل الدكتور عبدالعزيز النعيم وهو قانوني مخضرم، وكان قد وضع نظاما لهيئة المهندسين ولكننا لم نسمع عنه بعد ذلك، وقبل فصل وزارة التجارة عن الصناعة كانت الوزارتان ممثلتين بعضو واحد في ما كان يسمى حينذاك بلجنة المهندسين. وكان جميع أعضاء مجلس الإدارة وكلاء وزارة غير مهندسين، وجاءت إحدى الوزارتين تطلب أن تضع مندوبها في اللجنة، فانتهزنا الفرصة واجتمعت وزميلي المهندس عماد الحجيلان بالدكتور فلاح السبيعي، وكان رئيس لجنة الإدارة والعرائض في ذلك الوقت، وطلبنا منه التوصية بتحويل لجنة المهندسين إلى هيئة المهندسين ومن ثم تطبق النظام الذي وضعه سابقا الزميل الدكتور عبدالعزيز النعيم لما سمي بعد ذلك بهيئة المهندسين السعوديين. ورفضنا طلب الوزارة فغالبية أعضاء اللجنة كانوا غير مهندسين ولا يمارسون الهندسة، وهو ما يخالف العرف. والحقيقة أن الصديق الدكتور فلاح السبيعي كان متضامنا معنا، بالرغم من أنه ليس مهندسا، وبالفعل تبنت اللجنة هذا الطلب وطالبت بتفعيل نظام هيئة المهندسين. ومن هنا ظهرت الهيئة ورأت النور. ولكن المواطن لا يعرف هذه الإنجازات ولا يتابعها أو يطلع عليها. بالإضافة إلى أن جهاز العلاقات العامة في مجلس الشورى لا يقوم بدوره المنوط به في التعريف بالمجلس وإنجازاته بصورة جدية وقد يحتاج إلى إعادة تنظيم. هذا الكلام ينقلنا مباشرة إلى الحديث عن علاقة المجلس بالجمهور فنظرة المجتمع بصفة عامة ناقدة للمجلس وأعضائه وأنت من القلائل الذين أمضوا ثلاث دورات في مجلس الشورى من واقع تجربتك ما سبب هذه النظرة المجتمعية الناقدة للمجلس ؟ وهل سببها يرجع إلى أن المواطن لا يعرف تحديدا صلاحيات المجلس وبالتالي يطالب بأكثر من صلاحياته أم سببها أن المجلس غير منفتح على الجمهور ؟ للأسف المواطن السعودي لا يعرف واجباته كاملة كمواطن، ولا يعرف أيضا حقوقه التي يجب أن يصر عليها، وهي نقطة ارتكاز مهمة يسأل عنها المجتمع بأكمله حتى المدارس والجامعات. ومجلس الشورى ينقصه التعريف بإنجازاته ولا أعرف حقيقة لماذا يغلق المجلس أبوابه في أوجه المواطنين ولماذا لا يستطيع المواطن أن يحضر إلى المجلس إلا بطلب رسمي .. فأغلبية الزوار لدينا ممثلون لهيئات دبلوماسية ورؤساء دول أجنبية أو ما شابه ذلك وأحيانا يأتي للزيارة طلاب وطالبات مدارس وجامعات وغالبا ما يكون تواجدهم للمتابعة عن بعد والاكتفاء بالفرجة لبضع دقائق على ما يدور في الجلسات، وذلك على النقيض تماما لما يحدث في كثير من برلمانات دول العالم المختلفة التي زرناها من قبل، حيث يحضر المواطنون والزوار ويتابعون باهتمام كامل الجلسة. فالمجلس يجب أن يفتح أبوابه للحضور حسب موضوع النقاش، فإذا ناقش المجلس موضوعا يخص الإعلام على سبيل المثال فيفتح الباب لحضور الإعلاميين وتتاح لهم فرصة النقاش مع أعضاء المجلس خلال فترة الاستراحة وهذا شيء مهم للغاية. أذكر أول لجنة عملت فيها داخل المجلس وكانت لجنة المرافق والخدمات العامة وطلبنا أن نخرج كوفد من اللجنة ونقوم بزيارات لهذه الجهات التي نرى تقاريرها كالهيئة الملكية للجبيل وينبع ومحطات تحلية المياه المالحة .. إلخ .. ولكن للأسف لم يتم تطبيق هذه الفكرة إلا على نطاق ضيق للغاية .. فالصلة مع الجمهور تحتاج إلى تقوية ودعم، ويجب على المجلس أن يفتح أبوابه أمام المواطنين، وذلك لا يعني الفوضوية على الإطلاق .. فتتاح فرصة الحضور لأصحاب التخصصات التي يناقش المجلس مواضيع وقرارات تتعلق بتخصصاتهم كالاقتصاد والطب والإعلام والهندسة وغيرها من التخصصات، ويتقدم الراغبون في الحضور بطلبات إلى المجلس لحضور الجلسات والمشاركة في النقاش مع الأعضاء في فترات الراحة أو في مكاتبهم. من واقع خبرتكم من السبب في هذا الجفاء إن صح التعبير هل هو المواطن وعدم اهتمامه بمتابعة جلسات المجلس .. أم هو المجلس وانغلاقه .. أم أن كليهما يشتركان في السبب ؟ نعم السبب مشترك .. لكن اللوم الأكبر يقع من وجهة نظري على المجلس .. فلا يكفى أن يعرض المجلس في نهاية كل أسبوع بعض اللقطات المصورة أو ينشر مجلة أو مطبوعة دورية، وإنما يجب أن يفعل دوره ويعزز تواجده بجولات ميدانية يختلط فيها مع المواطنين على أرض الواقع. إذا تحدثنا عن المجلس من الداخل هل ما يدور في المجتمع ينعكس داخل المجلس فمثلا هناك تيارات فكرية في الساحة السعودية هل لاحظتم تحمس بعض الأعضاء لأفكار معينة لمجرد أنها تمثل رأي تيار هو ينتمي إليه ؟ هذا السؤال مرتبط بسابقه، فقبل أربع سنوات كوّنا ما يسمى بلجنة حقوق الإنسان التي جاءت بعد لجنة الإدارة والعرائض وأصبحت محلها، وهي متخصصة في التواصل مع المواطنين والاهتمام بطلباتهم، ويوم الأحد من كل أسبوع وقبل بداية الجلسة تخصص ساعة للحديث فيما يخص الشأن العام والحديث عن الشأن العام غير محدد بأجندة أعدت مسبقا فيتكلم العضو في أي موضوع يتعلق بالشأن العام كمضار التدخين مثلا .. وهي جلسات لا يحضرها الإعلام ويحق للعضو أن يعرض أي موضوع حتى لو جاءه من مواطن عادي مهما كان تخصصه .. ولكن للأسف لا يتسع المجال لها بالشكل المطلوب لتحقق الفائدة المرجوة منها فنحن مقيدون بأجندة يجب إنجازها ولكننا نحاول على الأقل تبني وجهات نظر المواطنين. أما التحمس أو الانتماء إلى أفكار معينة أو تيارات فكرية سائدة، سواء اجتماعية أم عقائدية أم سياسية، فهو أمر غير ملحوظ بتاتا داخل المجلس. فهناك إجماع ضمني أن جميع ما يناقش ويدرس تحت قبة المجلس لا بد وأن يكون له صلة وعلاقة قوية بالصالح العام على مستوى الوطن والمواطنين، حتى وإن استدعى الأمر النقد القوي والانفعالي في بعض الأحيان لجهات حكومية بما في ذلك الوزارات. ولكني أكرر أن هذا لا يعني أن هناك توافقا أو تجانسا دائما في الأفكار والتوجهات بين جميع أعضاء المجلس، فكثيرا ما تظهر الاختلافات، بل والخلافات بين عدد من الأعضاء، وهو أمر طبيعي بين مجموعة مستنيرة وكبيرة مثل هذه. عموما، لا يوجد هناك أي حجر أو مصادرة على رأي أو فكر أو كلام أعضاء المجلس تحت القبة، وهذا أمر جيد حتى وإن كان أمر يزعج بعض المسؤولين في وزارات ودوائر حكومية أخرى لأسباب معروفة. هل لاحظتم أن (أيديولوجيا) العضو تؤثر على موقفه من القضايا بصفة عامة وهل هذا الانتماء يدفع العضو أن يتحمس لأفكار معينة في اتجاه معين .. أي هل يغلب العضو أحيانا مصلحة التيار على المصلحة العامة ؟ يظهر ذلك أحيانا ولكن ليس بشكل ملموس، خاصة من جماعة المؤسسة الدينية فالإخوان الزملاء في لجنة الشؤون الإسلامية مثلا غالبا ما يتفقون في الآراء والمواقف ويتحدون في الرأي في أي موضوع، وإذا عارض أحد الأعضاء رأيهم فإنهم يتصدون له بالحكمة وبشكل مهذب، أما الليبراليون فلا يظهر ذلك عندهم بالشكل الملحوظ .. وإن اهتموا ببعض القضايا كالزواج من الأجانب والأجنبيات والحرية الشخصية إلخ .. من منطلق أنهم يمثلون الفكر الليبرالي أما القضايا الخاصة بالشأن السياسي وسياسة المملكة فنحن لدينا شبه إجماع، وقليل جدا أن تجد اختلافا في هذه النقطة .. وقد يحدث ذلك مثلا فيما يتعلق باتفاقيات المملكة مع بعض الدول .. فمثلا يكون بيننا وبين دولة اتفاقية ما فيتحفظ بعض الأعضاء الموافقة على هذه الاتفاقية بسبب تصرف صدر من تلك الدولة في موقف ما ويرفضون التصويت بالموافقة على الاتفاقية بسبب ذلك الموقف .. أما المواقف الاجتماعية فالمجتمع السعودي متجانس ولا توجد الكثير من الاختلافات، وإن وجدت فإنها لا تظهر على السطح بصورة تدعو إلى القلق. وأظن أن الإجابة على السؤال السابق فيها الكثير من الإجابة على هذا السؤال. ? دخول المرأة إلى مجلس الشورى نقلة نوعية في مسيرتها وفي تاريخ الشورى نفسه. كيف تنظرون لهذه التجربة ؟ سوف أبتعد في حديثي عن الكلام الإنشائي ونتحدث عن الواقع العملي .. عندما توجهنا للانضمام إلى اتحاد البرلمانات العالمية واشترطوا وجود سيدات كعضوات في مجلس الشورى لكي نتمكن من الانضمام للاتحاد، أخبرناهم بأنه ليس لدينا سيدات عضوات في المجلس في الوقت الحالي ولكن لدينا مستشارات، وكانت رئيسة الاتحاد سيدة هندية وقفت معنا موقفا جيدا بالإضافة إلى مساندة بعض الدول الأوروبية .. وكانت وفود المملكة من مجلس الشورى تضم سيدة أو سيدتين في العادة وتم قبولنا كعضو في الاتحاد على هذا الأساس. تقديم المرأة وأذكر أنني كنت في مؤتمر للأمم المتحدة بجنيف مترئسا لمجموعة سعودية أثناء إحدى اللقاءات وكانت معي الدكتورة فاطمة جمجوم .. فتكلمت مع رئيس الجلسة وأخبرته أن الوفد السعودي لديه كلمة يرغب في طرحها .. وكنت قد كتبت كلمة قصيرة عن موضوع هام وهو التهجم على الرموز الدينية والإساءة إلى الأديان بدون مبررات .. لكني ولسبب في نفسي طلبت من الدكتورة فاطمة أن تقرأ هي كلمة الوفد السعودي، فسألتني ولماذا لا تلقيها أنت ؟.. فأجبتها بأنني أريد للمرأة السعودية أن يطلع صوتها في المؤتمرات والمجتمعات الدولية .. وكانت هذه أول مرة. ووافقت الدكتورة فاطمة وبالفعل ألقت الكلمة وكانت أول متحدثة تحصل على تصفيق حاد من الحضور، فالدكتورة فاطمة كانت متمكنة للغاية والكلمة كانت متزنة. وبعد الكلمة تلقينا التهنئة من بعض رؤساء الوفود المشاركة والذين أشادوا بالوفد السعودي وأعربوا عن سعادتهم وتأييدهم لنا كأعضاء في اتحاد البرلمانات العالمية .. وقالوا إننا أثبتنا جدارتنا في الانضمام للاتحاد ومشاركة المرأة السعودية الجادة. ولهذا فإن وجود المرأة في المجلس ليس تجميليا أو تقليديا وإنما هو شيء جوهري، فطريقة تفكير المرأة تختلف عن طريقة تفكير الرجل عادة وبصورة دقيقة. فالمرأة تفكيرها متزن، تجمع بين العقل والعاطفة، ونحن في أشد الحاجة إلى هذا النوع من التفكير، على عكس الرجل ذو التفكير العقلاني البحت المجرد. كما أن هناك أمورا تناقش في المجلس لا غنى عن رأي المرأة فيها خاصة ما يخص المرأة والطفل وأمور العائلة وتوظيف المرأة والتعليم، وما شابه ذلك ونحن لدينا في المجلس لجنة خاصة بذلك. هل ترى أن عضوات الشورى يجب أن يركزن في المرحلة القادمة على القضايا التي تخص المرأة .. أم ينبغي عليهن المشاركة في كل ما يخص الدولة والمجتمع كالبترول وأزمة الإسكان والبطالة وغيرها من الأمور الأخرى كالرجال ؟ لنكن واقعيين ومنصفين لأنفسنا .. من أهم التحديات التي تواجه العضوات الجدد في الشورى هي تعزيز مكانة المرأة في المجتمع السعودي والاهتمام بمشاكلها وتبني قضاياها، فمشاكل المرأة كثيرة في مجتمعنا، والمرأة السعودية ما زالت تبحث عن مكانها تحت الشمس. وإذا لم تستطع العضوات إثبات مكانة المرأة في المجتمع السعودي فلن يكون ذلك في صالح المرأة ولا في صالح التجربة الجديدة، وندعوا الله لهن بالتوفيق ونأمل أن تنجح هذه التجربة، بل وغالبيتنا نراهن على نجاح المرأة وتفوقها، وسوف تثبت التجربة ذلك. فالمجتمع السعودي بدون مشاركة المرأة يعتبر ناقصا كالإنسان الذي يسير على قدم واحدة .. ويجب على عضوات الشورى التصدي للدفاع عن قضايا المرأة الهامة كتعليم المرأة وعمل المرأة والعنف الأسري وظاهرة الطلاق المتفشية، وحقوق المرأة وحقوق أبنائها، ومشاركتها في المنظمات والأوساط الدولية .. إلى آخره. وهذا بالطبع لا ينفي دورهن وحقهن في المشاركة بكل فعالية في مناقشة كافة القضايا التي تخص المجتمع وهي عديدة ومتنوعة. كما أشير إلى أنه لا يجب أن توضع المرأة تحت المجهر دائما وأن نسلط عليها الضوء أو نتصيد أخطاءها وكأنها من كوكب آخر. وأن نبتعد عن تضخيم الأمور وإلا فإن ذلك سوف يشكل عبئا إضافيا على المرأة، فالمرأة جزء من المجتمع ودخولها المجلس والحياة العامة أمر طبيعي ومفيد للجميع إن شاء الله. بعض المؤيدين لدخول المرأة في المجلس يرون تقديمها لمجرد كونها امرأة دون الاهتمام بمعايير الكفاءة والقدرة .. ما رأيكم في ذلك ؟ هذا الكلام غير منطقي فلا ينبغي تقديم المرأة لمجرد كونها امرأة، بل يجب دعم تجربة المرأة في المجلس عن طريق اختيار نماذج مؤهلة ذات خبرات، وتختار على أساس قدرتها على طرح قضايا المجتمع، وهذا التوجه سوف يساعد في نجاح هذه التجربة. ونحن لا نفتقر إلى هذه النماذج فلدينا سيدات مؤهلات بل وبعضهن أكفأ من كثير من الرجال وأنا أعتقد أن هذه التجربة ستنجح وتفرض نفسها بقوة .. كما أن حوالي 30 % من ثروة ومشاريع واقتصاد البلد تقريبا في يد المرأة. وإذا أعطي للمرأة الضوء الأخضر فسوف تنطلق إلى الأمام بسرعة وتثبت كفاءتها وأحقيتها بالتواجد في مجلس الشورى وفي كل الأجهزة الحكومية والمدنية الأخرى. إدارة الثروة ومن واقع تجربتك .. إلى أي مدى كان دور المجلس مؤثرا في مناقشة قضايا موازنة الدولة .. أم ترى أنه يجب أن يكون له دور أكبر .. وما هي الآليات لتحقيق ذلك ؟ منذ أول سنة دخلت فيها المجلس ونحن كأعضاء نطالب بأن يكون من حق المجلس دراسة الميزانية واعتمادها واعتماد الحساب الختامي للميزانية العامة .. وطلبنا ذلك من الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله عندما كان وليا للعهد وبوجود الأمير سلطان (يرحمه الله) وأعتقد أن هذا من أساسيات عمل مجلس الشورى، فيجب أن يباشر دور الرقابة والمحاسبة ومن حقه وواجبه أن يطلع على الميزانية ويعتمدها ويعتمد الحساب الختامي ويطلع على أوجه الصرف فهي ثروة البلد فإذا كنا لا نعرف مقدار ميزانية كل جهة أو وزارة فكيف لنا أن نحكم على إنجازاتها ومدى جدواها .. كما أن بعض الوزارات تتذرع بعدم توفير الدعم والإمكانات التي تساعدها على إنجاز المهام المنوطة بها وتطلب دعم ميزانية الوزارة .. ونحن أصلا لا نعرف حساب ومقدار وأوجه الصرف التي صرفت فيها هذه الأموال فكيف لنا الحكم عليها. خطط بلا معلومات وأذكر مثالا على ذلك .. عندما تم فصل وزارة المالية عن وزارة الاقتصاد الوطني بعد أن كانتا وزارة واحدة .. تم إسناد كافة الشؤون الاقتصادية إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط .. بينما الأنشطة الاقتصادية بقيت ضمن أجهزة وزارة المالية .. ووزارة المالية لاتزال مترددة في نقل كل الاختصاصات إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط التي تضع الخطط التنموية للبلد والتي كانت تكرر أنها لا تصلها الحسابات الختامية للميزانية .. فكيف لها أن تضع الخطة الخمسية وليس لديها المعلومات الكافية في الوقت المناسب لا عن الميزانية ولا عن الحساب الختامي. فإذا كانت وزارة الاقتصاد والتخطيط لا تملك هذه المعلومات فهذا معناه أن خطط التنمية الخمسية ما هي إلا مواضيع إنشائية وبالتالي تأتي الخطة الخمسية بأهداف متراكمة. ولذلك أرى أن من أهم واجبات مجلس الشورى بل ومن حقوقه الاطلاع على الميزانية العامة للدولة وميزانيات الوزارات .. وأن يكون من حقه مناقشتها وإبداء الملاحظات أو اقتراح أي تعديلات عليها، وكذلك حق الاطلاع على الحساب الختامي .. وبدون ذلك يكون عمل المجلس منقوص. خلال الدورات الثلاث التي قضيتها في أروقة المجلس كان الدين العام يشكل أرقا وتخوفا للمواطن بصفة عامة .. ما هو موقف المجلس تجاه الدين العام ؟ هل نوقش في جلساته ؟ وما هو الانطباع السائد لدى الأعضاء تجاه هذه القضية ؟ هذا الأمر نوقش كثيرا في المجلس وكنا مصابين بإحباط شديد، وكان الدين العام يسبب لنا الأرق والخوف، ولا نعرف إلى أين تسير الأمور. وكنا نطالب بتخفيض في بعض ميزانيات الأجهزة ومصروفاتها ومصاريف أرامكو مثلا، وتنويع مصادر الدخل ومراقبة الاستهلاك والاستيراد، وتقليص النفقات. لكن لم تكن لدينا فاعلية فلا تأتينا الميزانيات ولا نناقشها. لكن الموضوع نوقش بحماس للتغلب على الإسراف والتبذير، بما في ذلك رخص أسعار البنزين والاستهلاك المحلي المفرط بسبب أسعاره الرخيصة التي لا يستفيد منها المواطن البسيط بل يستفيد منها أصحاب أساطيل السيارات، وهو ما يضر بالاقتصاد الوطني بلا شك. إلى جانب أمور أخرى كثيرة أدت في ذلك الوقت إلى تراكم الدين العام، ومن أسبابه أيضا التدهور المفاجئ في أسعار البترول في السوق العالمية لأسباب نعرفها جميعا. المجلس ناقش الدين العام في فترة كان يشكل فيها هاجسا .. الآن نتكلم عن ترشيد الوفر .. كيف ترى دور المجلس في هذا الأمر في المرحلة القادمة ؟ رأيي في هذا الموضوع متطابق مع رأي المجلس .. فالمجلس طالب بإنشاء ما يسمى بالصندوق السيادي .. لتوضع فيه أموال الأجيال القادمة فالمملكة في الفترة الحالية لا تحتاج إلى هذا الكم الهائل من إنتاج البترول وإذا كان ما يدعونا إلى ذلك هو بعض الأمور السياسية فيمكن تجنبها أو تهوينها بحيث ننتج ما نحتاجه فقط .. نحن لدينا ثروة مالية تعجز البنوك عن استيعابها .. وهذا يؤدي إلى الفساد والسرقات والإسراف وإهدار ثروات الأجيال القادمة إن لم نحسن التصرف ونشدد الرقابة والمحاسبة. فهذا البترول هو مستقبل أجيالنا ومستقبل بلادنا، فكيف إذا نضبت هذه الثروة بعد عدد من السنين يعلمها الله. يجب اتخاذ التدابير اللازمة لترشيد الاستهلاك، والمجلس على دراية بالأمر ويتعامل معه بجدية. وهناك عدة اقتراحات منها إنشاء الصندوق السيادي والذي بدأ الحديث عنه منذ حوالي عشر سنوات، ودرسنا النماذج المختلفة للصناديق السيادية في العالم، وهناك أمثلة ناجحة كثيرة لدول أقل منا في الثروة والعلم والطموح والثقل الاقتصادي والسياسي. الضمير هذا سؤال شخصي وعام .. أي إنسان سوي عاقل صاحب ضمير عندما يؤدي القسم تنتابه مشاعر جديدة .. صف لنا هذه المشاعر وإحساسك يثقل المسؤولية .. وهل وجدت نفسك يوما في حالة تنازع بين ضميرك وبين التصويت على مشروع أو قرار ؟ هذا سؤال خبيث بعض الشيء .. والحمد لله أنا مؤمن إيمانا كاملا .. صحيح أنني لست شيخا أو فقيها، ولكن عند أدائي للقسم اهتزت مشاعري وشعرت أنني أؤدي القسم على شيء لم أعرف ملامحه بعد، ولكني عاهدت الله أن أقول الحق. والشيء الجميل في مجلس الشورى أنك تتمتع بحصانة تحت القبة .. فتستطيع أن تقول ما تشاء في أي قضية عدا التعرض للدين والثوابت أو للذات الملكية .. حتى إن بعض الزملاء طالبوا باستقالة بعض الوزراء أو رؤساء هيئات أكثر من مرة بسبب ما رأوه من نقص في إنجازات وأعمال وزاراتهم. وبالنسبة لي شخصيا أذكر أنني تكلمت في موضوع عن هيئة لها ثقلها في الدولة، وكنت قد توصلت إلى حقائق من داخل الهيئة وقلت أن هذا تشتم منه رائحة فساد .. فسألني رئيس المجلس هل هذه المعلومات قائمة على إحصائيات معروفة ومنشورة، وكنت أملك من الوثائق والمعلومات ما يؤكد صحة كلامي .. لكنني آثرت ألا أفصح عن ذلك، فقلت له إنها قائمة على معلومات ولكنها غير موثقة، حتى لا أسبب أي مشاكل. فاتصل رئيس الهيئة التي تناولتها في مداخلتي برئيس المجلس وألمح إلى إخضاعي للتحقيق للتعرف على مصدر هذه المعلومات، ولكن رئيس المجلس أوضح لرئيس الهيئة الذي يطلب ذلك أن العضو يتمتع بحصانة تحت القبة ويستطيع أن يقول ما يشاء، بالرغم من أن رئيس المجلس لا يعرف أن معلوماتي موثقة بالفعل. وحقيقة كنت أتمنى أن يتم التحقيق لكي أكشف ساعتها ما لدي من وثائق ومستندات تؤكد صدق معلوماتي وصحة كلامي. الخلاصة: أنه إذا عرض للتصويت أي قرار أو موضوع أشعر أنه يخالف ضميري، أو يتعارض مع مصلحة الوطن والمواطن، وهما المعياران الأساسيان ومرجعيتي في اتخاذ القرار، أقوم بالتصويت ضده سواء كنت منفردا أو ضمن مجموعة من الأعضاء، ومهما كانت المبررات. وبالطبع، لا بد أن تكون واثقا من قناعاتك لكي تكون صادقا مع نفسك.