من أبرز أشكال التطرف التي تشيع في المجتمع، المغالاة في التخويف من عذاب الله وشدة نقمته، وصار كثير من الواعظين يتفننون في عرض صور العذاب وتوقد النار، ثم لا يذكرون في وعظهم شيئا عن رحمة الله وسعة عفوه ومغفرته، حتى بات كثير من الناس لا يعرفون من الله سوى النار والعذاب. ولأن الحياة كما فطرها الخالق سبحانه، تقوم على قاعدة من التوازن لا تقبل الميلان مطلقا، فإن التطرف متى ظهر في أمر من الأمور، ظهر على الجانب الآخر المقابل تطرف آخر مضاد له. من التطرف المقابل للتطرف في التخويف من الله سبحانه، ظهور بعض الأصوات التي يتباهى أصحابها بأنهم يعبدون الله حبا له وليس خوفا منه، مبررين ذلك بأن العبادة الناجمة عن الحب أصدق وأبلغ من تلك الناجمة عن الخوف، فالحب يدفع بالمحب إلى إرضاء الحبيب وتجنب إغضابه، لا لشيء سوى الحب نفسه، ليس للخوف منه أو للطمع فيما عنده، وأن ذلك النوع من الحب هو أرقى درجات المحبة، وأن عبادة الله بتلك الصورة أسمى وأجل!! تسويق فكرة عدم الخوف من الله، وعبادته لحبه فقط وليس للخوف منه، هي فكرة آتية من الصوفية حيث يتمايز الصوفيون فيما بينهم بعلو درجة الانغماس في حب الله حبا يبلغ درجة (العشق)، ففي الصوفية أنه كلما ارتقت درجة الحب لله ارتقى الصوفي في المراتب حتى يبلغ درجة التماهي في الذات الإلهية. لكن هذا القول بأن خير العبادة ما كان نابعا عن الحب لله وليس عن الخشية منه، هو قول فيه من التطرف ما فيه، وهو قول لا يليق في التعامل مع الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى قد أمر عباده بالخوف منه: {وادعوه خوفا وطمعا}، {وخافون إن كنتم مؤمنين}، ويخاطب نبيه ويأمره بالخوف منه {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة}، ويصف عباده المؤمنين بأنهم {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا}، {يخافون ربهم من فوقهم}، {يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار}، كما أنه وعد عباده الذين يخافونه بخير الجزاء {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، وهناك غير ذلك من الآيات الكثيرة في القرآن الكريم التي تبين أن الخوف من الله أمر أساسي في عبادته. لكنه التطرف! الذي لم يدخل على شيء إلا شانه. حب الله متى رسخ في القلب، لا شك أنه يدفع بصاحبه إلى طاعة الله وابتغاء مرضاته، وهي الحال التي ينبغي أن يسعى إليها العبد المؤمن، لكن الحب ليس له مطلقا أن يمحو وجوب الخوف من الله!! وليس مبررا لأن يكون الخوف من الله حالة أدنى يجب التسامي فوقها.