أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه لوجه الله تعالى    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بذكرى استقلال بلاده    الذهب ينخفض مع ارتفاع الدولار ومخاوف التضخم    القيادة تهنئ رئيس جمهورية ألبانيا بذكرى استقلال بلاده    "اليونسكو": 62٪ من صناع المحتوى الرقمي لا يقومون بالتحقق الدقيق والمنهجي من المعلومات قبل مشاركتها    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الاستسقاء في جامع الإمام تركي بن عبدالله    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    محافظ صبيا يؤدي صلاة الإستسقاء بجامع الراجحي    في «الوسط والقاع».. جولة «روشن» ال12 تنطلق ب3 مواجهات مثيرة    الداود يبدأ مع الأخضر من «خليجي 26»    المملكة تشارك في الدورة ال 29 لمؤتمر حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    1500 طائرة تزيّن سماء الرياض بلوحات مضيئة    «الدرعية لفنون المستقبل» أول مركز للوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا    مصير غزة بعد هدنة لبنان    السعودية ترأس اجتماع المجلس التنفيذي ل«الأرابوساي»    27 سفيرا يعززون شراكات دولهم مع الشورى    وزير الصحة الصومالي: جلسات مؤتمر التوائم مبهرة    السياحة تساهم ب %10 من الاقتصاد.. و%52 من الناتج المحلي «غير نفطي»    سلوكياتنا.. مرآة مسؤوليتنا!    أمير تبوك يستقبل رئيس واعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    أمانة القصيم تنجح في التعامل مع الحالة المطرية التي مرت المنطقة    شخصنة المواقف    النوم المبكر مواجهة للأمراض    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أنا ووسائل التواصل الاجتماعي    وزير الرياضة: دعم القيادة نقل الرياضة إلى مصاف العالمية    نيمار يقترب ومالكوم يعود    الملك يضيف لؤلؤة في عقد العاصمة    الموارد البشرية توقّع مذكرة لتأهيل الكوادر الوطنية    التركي: الأصل في الأمور الإباحة ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بنص    الشائعات ضد المملكة    النضج الفكري بوابة التطوير    برعاية أمير مكة.. انعقاد اللقاء ال 17 للمؤسسين بمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة    بحث مستجدات التنفس الصناعي للكبار    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالريان يُعيد البسمة لأربعينية بالإنجاب بعد تعرضها ل«15» إجهاضاً متكرراً للحمل    باحثة روسية تحذر الغرب.. «بوتين سيطبق تهديداته»    تقليص انبعاثات غاز الميثان الناتج عن الأبقار    في الجولة الخامسة من يوروبا ليغ.. أموريم يريد كسب جماهير مان يونايتد في مواجهة نرويجية    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من أمير الكويت    "الأدب" تحتفي بمسيرة 50 عاماً من إبداع اليوسف    المملكة ضيف شرف في معرض "أرتيجانو" الإيطالي    تواصل الشعوب    ورحل بهجة المجالس    «واتساب» تختبر ميزة لحظر الرسائل المزعجة    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    دشن الصيدلية الافتراضية وتسلم شهادة "غينيس".. محافظ جدة يطلق أعمال المؤتمر الصحي الدولي للجودة    إعلاميون يطمئنون على صحة العباسي    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    الزميل العويضي يحتفل بزواج إبنه مبارك    احتفال السيف والشريف بزواج «المهند»    يوسف العجلاتي يزف إبنيه مصعب وأحمد على أنغام «المزمار»    اكتشاف الحمض المرتبط بأمراض الشيخوخة    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هؤلاء هم المرجفون    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«عطرُ السَكَب»
نشر في عكاظ يوم 06 - 06 - 2015

كان جسدها الممتد يسبح أمامي على ساقية وادي البراح، يترنح مع حركة المياه البطيئة، يقترب مني ويبتعد.. وصوت تأوهاتها يخرج صداه من أحجار مجوفة ويضج في أذني، وحولها تتساقط أوراق شجرة الخوخ المثمرة، وهي تقترب من جذع شجرة، وتبتعد عني، بصعوبة أتابعها، فقد بدأت تختفي، قررت اللحاق بها ولا أجيد السباحة، قلت في نفسي : «سأفرش جسدي على الماء ،وأرفع يدي إلى أعلى كما فعلت هي.. وستحركني المياه إليها»
وضعت قدمي اليمنى في الساقية، أراها تدخل الماء ولا أحسه،
نقلتُ قدمي الأخرى مباشرة فسقطت على جانبي الأيسر وارتطم رأسي بحافة الساقية،
فتحت عيني ولم أجد ليلى ولا الساقية،
تحتي صخور كبيرة، وإحداها ذات نتوءات كثيرة يتقلب عليها رأسي، والشمس باردة في كبد السماء، لا فارض ولا بكر
أستطيع النظر إلى قرصها،
لأول مرة أرى الشمس بضوء لا بأشعة، والرياح التي تجري في بطن الوادي تصل إلي هادئة مطمئنة، تثير أزهار السكب من حولي، فتتراقص بتلاتها نشوة وتهتز، وأنا في ذهول غريبة تنصب على عرش هذا الجمال، ولا تنتمي إليه، ألبس بنطالا رماديا باهتا، وتي شيرت برتقاليا، وحذاء رياضيا، وشعري الأسود الجاف منشور على صدري، مددت يدي إلى أعلى كليلى ولكني لا أسبح على الماء، أسبح على النجيل الأخضر، وزهور السكب الصفراء.
صوت الماء يهدر في الغدير أسفل الوادي،
وعلى حافة الجبل المقابل خيول كثيرة، وكلما دققت أكثر زاد العدد، واتضحت التفاصيل، عيني تقرب الصورة بشكل تلقائي، الخيول بنية لامعة، تصهل وتخب خيلاء، وتثير حول حوافرها غبار النقع استعدادا لعطاء وصولات..
لم أميز هيئة الخيالة، كانت أجسادا مكسوة بالبياض، أطرافه ترفرف مع رياح الوادي، وعلى رؤوسهم أعمة بيضاء ملفوفة، بعضهم يحمل بنادق، وبعضهم سيوفا وخناجر فقط، وآخر على يمينهم يحمل بيرقا أبيض يلوح به ويهتفون، ومعهم رجل يتقدمهم ويهتف بصوت عال ونشد:
والله يا بوناب يا الكذاب ما تبغي لكم وناس
ارجع اسطانبول واما سدك اسطانبو فاقضم مروة
لو نطيع أهل الشياخة كلت حق الله وحقنا
«صدقت يابن ثامرة» «أي والله» «استعينو بالله وكبروا» «الله أكبر»
تعالت الهتافات، ورفرف البيرق الأبيض عاليا، وبدأ الجيش في شق طريق الجبل نزولا إلى الوادي، وأنا أصرخ بصوت مخنوق : «وادي البراح... لااا»
سكنني الخوف، أتلفت يمنة ويسرة ،لم أر غير السكب والشذاب حولي، نهضت في ثقل، رأسي متورم وأخيلة كثيرة تتراءى أمامي، أميزها عن الحقيقة بتلاشيها الخفيف، كان رجل طاعن في السن ينظر إلي وأنا أفتح عيني أكثر وأحملق فيه لأتأكد أن ظهوره المفاجئ أمامي ليس ضمن تلك الخيالات، نظراته الحادة أربكتني كثيرا، يجلس على صخرة حانيا لظهره ومقابلا للجيش، نسترق النظر إلى بعضنا ونعود نتأمل نزول الجيش إلى بطن الوادي.
بجواره تجلس طفلة صغيرة، ترفع رأسها ليتجاوز نظرها ركبة العجوز وتراني، ثم تخفضه بسرعة إذا ما انتبهت لها، نهضت أخيرا عندما طلب منها قشة من الأرض ليخلل أسنانه.
ناولته وهي تنظر إلي مبتسمة، نهرها العجوز وسحب طرف كمها ليجلسها بقوة. ثنت تحت ركبتيها ثوبها الأخضر ذا الورود الصفراء الكبيرة وجلست.
اقترب صوت حوافر الخيول، وبدأ الجيش يقترب أكثر وأكثر، والرهبة في صدري تتصعد، وألفظ أنفاسي بسرعة الموت، والخيول تتجه إلينا، نهض العجوز وأمسك بيد ابنته «عليكم اللعنة.. عليكم وعلى ثورتكم» وأخذ يحني ظهره أكثر ويمشي بخطى سريعة ومتباعدة، وأنا أحذو حذوه وأمشي وراءه بذات الهيئة، أتعرقل في الشجيرات الصغيرة، وتعلق بي الأشواك، وتنثني قدمي مع الصخور الكثيرة المتحركة، وأكمل سيري بسرعة كي لا أفقد أثر العجوز.
الفرار معه كان كالفرار من شيء مجهول إلى موت مدرك،
بدا وكأنه يقتادني إلى مكان ما، حمل الطفلة على ظهره، وأشار إلي لأتبعه
بعد صعود متتابع على الصخور التي كانت خلفنا، وصلنا إلى مغارة صغيرة في الجبل، دخل بسرعة ودخلت على إثره، كانت المغارة مأهولة بجنود أتراك، لم ينظر إلي أحد، كل مشغول بنفسه، منهم من يضمد جراحه ومنهم من يلهث أنفاسه بسرعة والبعض يتناول لقيمات يقمن صلبه،
جلس العجوز بجوار أحدهم، وصرخ في وجه ابنته التي انحنت إلى قدميه لتساعده على مدهما : «خضراء.. جيبي لنا ماء.. اعجلي»
مرت من أمامي وحنت وجهها لتخفيه عني، وعن فضولي الذي أزعجها كثيرا،
كنت أتأمل هذه الطفولة القاسية، وأحدث نفسي :
«هي هذه نفسها خضراء !! ما الذي أتى بي إلى هذا الزمن ؟
أنا أحلم !! .. ما كل هذه التفاصيل في حلمي ؟!
ليس كل ما أراه حقيقة.. سأدير ظهري وأخرج من هذه المغارة ؟! لن يصيبني مكروه.. الأمر مجرد حلم»
غادرت المغارة ولم يناد علي أحد، خرجت وسرت بحذر، وهناك على يميني أسفل الوادي آثار تجمع ومعركة، لم أتوقف وأكملت صعود الجبل، كان الأمر شاقا وأنا أصعد وألهث وأبتعد عن الكل : «سينتهي الحلم الآن.. سينتهي.. سأستيقظ..»
التفت خلفي لأرى كم قطعت من المسافة، كانت المغارة تحتي بالكاد ترى.. وأسفل الوادي يعج بالغبار لا أكثر..
«ما هذا الحلم ؟!! .. متى سينتهي ؟!»
قلتها في نفسي وقد بدأت تضيق علي الأرض بما رحبت . «إلى أين الآن !!!!»
لم يكن لدي خيار سوى أن أسير، أكمل الصعود، أدخل في السحب وأختفي، أتنقل من غيمة إلى أخرى، لينقطع بي الطريق في بياض (معتم)، أتحسس بقدمي الصخور وأسير خطوة خطوة،
توقفت عندما بدأت الرياح تهب وتفرق الضباب من حولي،
تسللت أشعة الشمس مع انقشاع جزء من الغيوم، وبدأت تظهر الرؤيا وتتضح معالم الطريق لي.
بدا الأمر مألوفا، أعرف هذه الطريق، وأعرف هذه الشجرة، جلست تحتها يوما ما، وأعرف هذه الأشواك تحديدا، وهذه الرائحة... إنه البراح
هتف قلبي للأمان، وبدأت أتنفس بعمق، اتكأت على الشجرة، وألصقت ظهري بجذعها، هي نفسها جلست تحتها البارحة مع ليلى وشريفة، ولكنها الآن أكثر إيراقا.
أين أنت ليلى ؟ .. كلما استأنستني الوحشة، ذكرك القلب.
وكلما ذكرك القلب، غصت الروح باجترار ألم وتأوهت : ياااا إبراهيم. النسيان الذي استبقتك إليه، جعلني أفتقدك أكثر.. أحبك أكثر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.