من إدلب أعادت المعارضة السورية المسلحة ترتيب أوراقها بعد سنوات الضياع، وجدت في هذا التحرير نموذجا في وحدة الفصائل يمكن تعميمه على كافة المناطق السورية، فالكل في إدلب يجمع على أن وحدة الفصائل هزمت النظام رغم براميل الموت وطائرات الميغ. تحرير إدلب كان أول بالون اختبار حقيقية لنوايا المعارضة المسلحة وطريقة تفكيرها على أول رقعة جغرافية مدنية تحمل معنى المدينة، وكانت خيارات المعارضة في حكم إدلب وإدارتها إما نحن «العسكر» أو «المدنيين»، وخلصت نتيجة هذا الاختبار أن تركت المعارضة الحكم للمدنيين، وفق مقولة «أهل إدلب أدرى بمدينتهم».. ليتفرغ العسكر لساحات القتال واستمرار القتال ضد النظام. «عكاظ» الصحيفة العربية الأولى التي تجولت في محافظة إدلب المحررة، دخلنا مكتب المحافظ والقصر العدلي ومباني أمنية وعثرنا على كشوفات بأسماء 750 عميلا ومخبرا للنظام تركها متناثرة قبل عملية الهروب.. وتبين من خلال الحديث للمسؤولين في المدينة أن هذه الأسماء كانت من بعض أبناء المدينة ومن يعتقد أنهم كانوا مؤيدين للثورة.. وظفهم النظام لجلب المعلومات وسرعان ما تخلى عنهم بترك أسمائهم مكشوفة للثوار. أول مطبات التحرير استفادت المعارضة من أخطاء الماضي خلال عملية تحرير إدلب، وحافظت على المرافق الحيوية للمدينة والبنية التحتية، رغم محاولات النظام تعطيل أي من المرافق التي يمكن للمعارضة أن تستفيد منها. فمبنى المحافظة والقصر العدلي والبنك المركزي للمدينة رغم التخريب إلا أنه مازال قائما يمكن الاعتماد عليه في تسيير الأمور.. لكن السؤال هل تنجح الكتائب المقاتلة من إدارة شؤون المدينة. ويقر أحد القياديين في أحرار الشام بأن المهمة صعبة جدا لإدارة إدلب، فالحرب مازالت مستمرة وخطوط الإمداد الاقتصادي لهذه المحافظة شبه مقطوعة فضلا عن غياب التكنوقراط، لذلك مازالت مظاهر النظام تختلط بمظاهر التحرير، حيث القاضي الشرعي التابع للنظام مازال على رأس عمله وكذلك البريد والإدارات التعليمية، والفلسفة من ذلك أنك لا تستطيع البناء من الصفر والقطيعة مع الماضي وإنما البناء على هذا الماضي مع محاولات تغيير الذهنية. دور الحكومة والائتلاف خلق العام 2015 واقعا جديدا على الأرض وكانت مدينة إدلب أكثر المدن الشمالية تماسكا على مستوى القتالي وعلى المستوى الاجتماعي، ومن هنا يمكن قراءة سرعة التحرير وهزيمة النظام في جسر الشغور والمحافظة وكذلك المسطومة.. هذا الواقع الجديد لم تتنبه له قيادة الائتلاف ولا الحكومة المؤقتة تارة لأسباب اقتصادية نتيجة فقر هاتين المؤسستين وتارة لعوامل الصراع والاقتتال بين الكتائب، الأمر الذي يمنع أي جهة أن تعمل في ظل الفوضى.. واستمرت حالة غياب المعارضة السياسية عن الداخل طوال السنوات الماضية، إلى أن جاءت مراحل التحرير المفاجئ ليكون كلا الطرفين بحاجة الآخر لكن خطوط الثقة معدومة. في الواقع ورغم صعوبة بناء الثقة بين الداخل والخارج، إلا أنه ما من حل آخر سوى أن يكون للحكومة والائتلاف يد في إدارة هذه المدينة – على الأقل- أن تكون هناك شخصيات غير سياسية تشرف على هذه المدينة، فمدينة إدلب «الخضراء» من أغنى المناطق الزراعية في الشمال السوري وتمتلك موارد حيوية غنية، فضلا عن كونها محافظة حدودية مع تركيا الأمر الذي يجعلها متنفس كل المحافظات الأخرى للخارج وخطا أساسيا للتصدير.. إدلب ستكون أول بالون اختبار لحكم الثورة السورية.