يواجه عراقيو الأنبار معاناة إنسانية مؤلمة، بعد أن هربت آلاف العائلات من جحيم البطش والقتل الذي تمارسه عصابات «داعش» الإرهابية، ولم يكن في حسبان هذه العائلات أن الحكومة المركزية في بغداد ستضيق خناق دخول العاصمة عليهم، بدعوى قطع الطريق على أي محاولات من عناصر تنظيم للتسلل ضمن النازحين إلى قلب العاصمة، وأن المخرج الوحيد أمام أصحاب القرار إنشاء مخيمين، أحدهما في صدر اليوسفية، وآخر في عامرية الفلوجة لهدفين، الأول حماية واستضافة النازحين، والثاني لغايات الرصد الأمني، والتأكد من خلو جموع النازحين من عناصر داعشية. المفاجأة التي واجهت الحكومة العراقية هي التزايد المطرد في أعداد النازحين اليومية، الأمر الذي بات معه ضرورة توسيع رقعة المخيمات الجديدة والبحث عن إمكانية إقامة مخيمات جديدة، فالخيام التي زرعت لم تعد تكفي، إثر التدفقات الهائلة للنازحين الذين بلغ عددهم داخل المخيمات الثلاثة لوحدها حتى أمس 61276 نازحا، بينما دخل العاصمة بغداد نحو 25 ألفا. ويرى وزير الهجرة والمهجرين العراقي الدكتور جاسم محمد أن استمرار تدفق النازحين من سكان الرمادي الذين يتمكنون من الفرار يهدد بوقوع كارثة إنسانية، مبينا ل«عكاظ» أن الحكومة العراقية تعمل مع منظمتي الأممالمتحدة والهلال الأحمر العراقي لدعم العائلات الأنبارية النازحة وإيجاد المأوى المناسب لهم وإيصال الإغاثة العاجلة إليهم وتوفير الخدمات الأخرى، مشيرا إلى أن استمرار عملية تدفق النازحين ستفرض إقامة مخيمات جديدة لهم. «عكاظ» أجرت اتصالات هاتفية مع بعض النازحين في المخيمات الذي تحدثوا عن معاناتهم داخل المخيمات التي لم تجهز بالكامل بعد، ولحظات فرارهم من الرمادي وكيف تمكنوا من النجاة بأرواحهم. وقالوا إن مدينة الرمادي تحولت إلى مدينة أشباح بعد أن روعت «داعش» سكان المدينة بعمليات القتل الجماعي التي نفذتها، لافتين إلى أن عناصر تنظيم الدولة حولت مياه نهر الفرات إلى اللون الأحمر بعد أن ألقيت جثث القتلى فيه. وقال أحد النازحين، وهو مظفر الدليمي، إن مجموعة من السكان تقدر بنحو 200 امرأة ورجل وطفل كانت تحاول الفرار من الرمادي، فألقت عناصر «داعش» القبض عليهم وأطلقت النار على أقدامهم لمنعهم من الفرار، لافتا إلى أن «داعش»، وبمجرد سيطرتها على الرمادي فرضت قوانينها وشروطها على السكان، الأمر الذي بات يمنع الأهالي من مغادرة بيوتهم، وهم الآن سجناء داخل منازلهم. على مشارف السبعين من العمر، تقف الحاجة أم نجم وهي إحدى النازحات من الرمادي توسلت إلى أبنائها أن يتركوها تلقى مصيرها في بيتها، حيث لم يعد في العمر الكثير كما تقول أم نجم «بل لم يعد جسدي يقوى على كل هذا التعب والحزن معا وأنا على مشارف ال70 عاما أنا أثقل على أبنائي في رحلة نزوحهم وأعاني من أمراض عدة».. «يا الله كم أتمنى الموت على ذل ما نحن فيه لكنني أتجلد بالصبر كي لا يجزع أبنائي فقد يطول نزوحنا وقد لا نعود». للمرة الأولى، يمر أبو نجم بتجربة النزوح التي اختبرها في ال75 من عمره «أشعر أنني أعيش في كابوس، ولأول مرة أستشعر كارثة الإنسان النازح بعدما كنت أسمع فقط حكايات من أقرباء لي هجروا ونزحوا في أحداث العراق منذ عام 2003»، يقول أبو نجم إن وحشية «داعش» تفوق أي وحشية في التاريخ.