(أسأل الله أن يوفقني لخدمة شعبنا العزيز وتحقيق آماله، وأن يحفظ لبلادنا وأمتنا الأمن والاستقرار، وأن يحميها من كل سوء ومكروه). كانت هذه أول الكلمات التي قالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بعد توليه مقاليد الحكم في مساء يوم الجمعة 3 ربيع الثاني 1436ه. وكانت الشهور القليلة الماضية ومنذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم حافلة بالتغييرات والتشكيلات والتعيينات، أيام اختصرت سنوات، ووضعت البلاد على طريق معالمه أكثر وضوحا مدفوعة بحيوية تنفيذية، وإدارة أكثر حيوية وشبابا وجدية في التعامل مع المرحلة وتحدياتها. هذا الزخم المحسوب بدقة الذي اتسمت به حركة الدولة خلال الشهور القليلة الماضية يؤكد أنه ليس وليد اللحظة بل هو نتيجة إعداد وتخطيط قدر فيه المخلصون أهمية المنعطف الذي يجب أن تنحوه البلاد نحو المستقبل وما يستلزمه ذلك من تغييرات وتضحيات وبذل وعطاء لتواجه الدولة استحقاقاتها الداخلية والخارجية. وقد اتضحت سياسة الملك سلمان بن عبد العزيز للجميع في الخطاب الاول الذي وجهه للمواطنين، وركز فيه على تعزيز دور القطاع الخاص في مسيرة التنمية والتصدي لمثلث التحديات المعروف (الاسكان والبطالة والخدمات الصحية والاجتماعية). حيث إن الملك كان واضحا في هذا الخطاب عندما طالب القطاع الخاص بتقديم مبادرات في مجال توظيف العمالة الوطنية من أجل التصدي لمشكلة البطالة المزمنة. كما سعى لتنويع القاعدة الاقتصادية لمواجهة تحديات انخفاض اسعار النفط بأكثر من 50 % خلال العام الاخير فقط، ودعا القطاع الخاص الى ضرورة التجاوب مع رؤيته الشاملة من خلال التوسع في مشاريع القاعدة الصناعية الانتاجية للحد من الاستيراد من الخارج. ويعد الملك سلمان كما هو معلوم أمين سر العائلة ورئيس مجلسها، والمستشار الشخصي لملوك المملكة، بدأ حياته السياسية منذ أكثر من ستين عاما نائبا فأميرا لمنطقة الرياض على مدى أربعين عاما ثم وزيرا للدفاع عام 2011 فوليا للعهد حتى مبايعته ملكا للبلاد، وهو مشوار حافل له بالمنجزات المتواصلة. تتابعت التطورات المتسارعة في كل الزوايا والاتجاهات، حتى أنه يصعب على المراقب متابعتها والإحاطة بها ولعل أهمها توجيه مسار خط السلطة نحو الجيل الثالث بما يعنيه ذلك من استقرار وطمأنينة عبر الأجيال. ومن الإنجازات تخليص الجهاز البيروقراطي الحكومي من اثني عشر مجلسا ولجنة سبق إنشاؤها في ظروف استدعت ذلك ثم تحولت إلى عبء يثقل دورات تروس آلة القرارات الحكومية، وأيضا تقسيم المهام والوظائف ضمن مجلس الوزراء بين مجلسين أحدهما يختص بالشؤون الأمنية والسياسية والآخر يختص بالاقتصاد والتنمية، وكذلك التأكيد على استقلالية القضاء ومن ثم إعادته إلى طريقه المعهود، ليستعيد القائمون على العدالة من قضاة ومحامين الثقة بالنفس والطمأنينة على المستقبل. وكان من نتائج تلك الفترة القصيرة، ارتفاع ثقة المواطن بنفسه أمام موظفي الدولة، وإدراك المسؤول أن الهدف من وجوده في الجهاز الإداري هو خدمة المواطنين. وعلى صعيد السياسة الخارجية، فقد رسخت المملكة قوتها ذات البعد الإسلامي والعربي والعالمي، وهناك أمر قد لا تقيمه مصادر الأبحاث الخارجية جيدا لخصوصيته المحلية وهو عملية الاندماج بين الديوان الملكي وديوان ولي العهد، وهي عملية اعادة هيكلة للإدارة ستعطي فعالية أعلى لسهولة بحث القرار وسرعته. ويؤكد المواطنون أنفسهم أن الملك سلمان بن عبدالعزيز ليس في حاجة إلى رصد إنجازاته وحصرها في فترة زمنية محدودة، مشيرين إلى أن إنجازات الملك مستمرة على مدار أكثر من ستين عاما مضت، وتحديدا منذ عام 1373ه، حين عين أميرا لمنطقة الرياض بالنيابة، متفقين على أن سلسلة الإنجازات مستمرة كل يوم، وأن العبرة في إيجاد الراصد الناجح الذي يستطيع أن يحصي الإنجازات المتتالية والمتتابعة، ولا يفلت منه إنجازا. ولذلك لم يكن مفاجئا أن يظهر الملك سلمان ومنذ الساعات الأولى من تولي زمام الأمور في البلاد، حرصه الكبير على تعزيز الأمن والاستقرار في ربوع المملكة عبر تثبيت بيت الحكم وترتيب أركان الدولة وأطلق حزمة من القرارات والتعيينات التي تؤكد أن قادة المملكة ورجالها لديهم من الحكمة والقدرة على ترسيخ وحدة البيت السعودي وتعزيز الانتقال السلس للحكم بين أفراد أسرة حاكمة مترابطة ومتماسكة؛ تسير على نهج الملك المؤسس. ويمكن اختصار إنجازات الملك سلمان في أرقام، حيث أصدر أكثر من 50 أمرا ملكيا، استهدفت إعادة تشكيل ملامح مجلس الوزراء، الذي شهد ولأول مرة أكبر تشكيل له منذ سنوات، ومن بين هذه القرارات إلغاء 12 لجنة ومجلسا متخصصا، أبرزها مجلس الأمن الوطني، ومجلسان متخصصان في الطاقة الذرية والمتجددة، إضافة إلى تخصيص 110 مليارات ريال لتطوير ودعم المرافق والخدمات والأنشطة المختلفة. ترتيب البيت في أول قرار ملكي، أمر الملك سلمان بن عبدالعزيز، بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وليا للعهد نائبا لرئيس مجلس الوزراء، وتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد في المملكة بعد مبايعة هيئة البيعة له، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهو أول منصب يعين فيه أحد أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز، كما أمر الملك سلمان بتعيين الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع وهو أول وزير دفاع من أحفاد المؤسس. تشكيل مجلس الوزراء وبعد مرور أقل من اسبوع على توليه مقاليد الحكم، أصدر الملك 34 أمرا تضمنت إعادة تشكيل مجلس الوزراء برئاسة الملك في أكبر تعديل وزاري تشهده المملكة وتشكيل مجلس للشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، كما شملت الأوامر الملكية جملة من الإعفاءات والتعيينات الجديدة لتصل إلى نحو 50 امرا ملكيا تضمنت أوامر وقرارات شملت الشباب لتولي المناصب التي تتطلب حيوية ونشاطا في جميع مفاصل الدولة الأساسية وخاصة في الدفاع والتعليم والخارجية والإعلام. قرارات اقتصادية أهدى الملك في أول أيام حكمه مبالغ هائلة هدية للمواطنين، وأمر باستمرار التنمية والانفاق رغم انخفاض الدخل القومي للمملكة ثم توجه بحكمته إلى عملية إعادة فعالية الأجهزة التي تحرك الاقتصاد والتي أصبحت أجهزة مركزية تسهل عليها عملية اتخاذ القرار وتزيد من فعالية الكفاءة الاقتصادية لدولة تنعم بموارد طبيعية عالية وبثروة مالية جيدة. فشهدت القرارات دعما ماديا لعدد من الجهات منها الموظفون بالدولة والطلاب، والأندية الرياضية ومعاشات الضمان الاجتماعي، والجمعيات الأهلية. ولم تنس أفراد الشعب، فمنحت راتب شهرين لموظفي الدولة، وسارت على النهج ذاته، مؤسسات وشركات كثيرة في القطاع الخاص، إلى جانب تخصيص 20 مليار ريال لتسريع خدمات الكهرباء والمياه، والعفو عن سجناء الحق العام، ومنح إعانة شهرين للمعاقين، وتفعيل مشروعات الوزارات الخدمية، وصرف راتب شهرين للمتقاعدين والموظفين ومستفيدي الضمان الاجتماعي والطلاب والمبتعثين، واستمرار برنامج الابتعاث، وفرض رسوم على الأراضي البيضاء، ونقل اختصاص خمسة أجهزة حكومية من وزارة المالية إلى الوزارات المعنية. حزم وأمل ولعل أبرز إنجازات الملك سلمان، إعلانه للجميع أن المملكة لن تقبل بأي تهديد من أي نوع بالقرب من حدودها، وأنها ستقف بجانب الشعب اليمني الشقيق ضد الانقلابيين الحوثيين على الشرعية. فدعا عددا من قيادات الخليج إلى اجتماع، كان عنوانه خطر الحوثيين وبقية الجماعات الإرهابية في اليمن، عقده بقصر العوجا في الدرعية قرب الرياض، في غرة جمادى الآخرة (21 مارس) وعلى إثره أمر ببدء «عاصفة الحزم» وتحديدا يوم 6 جمادى الآخرة (26 مارس) بمشاركة 10 دول عربية لتحجيم خطر الحوثيين وإعادة الشرعية لليمن، ومقاومة التمدد الإيراني في جنوب الجزيرة العربية، واستمرت عملية عاصفة الحزم قرابة الشهر. ووصف المحللون العسكريون في العالم هذه الحملة بأنها خطوة مهمة وتحسب للملك سلمان، الذي أراد أن يؤكد أن المملكة دولة مسالمة وصديقة، ولن تتردد في الدخول في أي حرب دفاعا عن أراضيها، وعن أمن حدودها والدفاع عن شعبها. وبعد أن تحققت اهداف «عاصفة الحزم» كان الملك سلمان أبعد نظرا حين أمر (في 21 ابريل) بإيقاف «عاصفة الحزم» بعد أن أدت مهمتها وكسرت شوكة الحوثيين بأقل قدر من الخسائر البشرية -مع تأكيد المملكة على استمرار العمليات العسكرية إن دعت الحاجة ومراقبة تصدير الأسلحة للحوثيين. وتتضمن عملية إعادة الأمل، بحسب بيان دول التحالف، شقا سياسيا يتعلق باستئناف العملية السياسية في اليمن، بجانب التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين وعدم تمكينهم من استخدام الأسلحة. وعلى صعيد آخر، أمر خادم الحرمين الشريفين بتخصيص مبلغ 274 مليون دولار لأعمال الإغاثة الإنسانية في اليمن من خلال الأممالمتحدة، تزامنا مع إطلاق «إعادة الأمل». وكل هذا جعل مجلة التايم الأمريكية تختار الملك سلمان ضمن أهم 11 زعيما مؤثرا في العالم لهذا العام 2015. أوامر ملكية ثم أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز حزمة من الأوامر الملكية فجر الأربعاء 10 رجب 1436ه (29 إبريل 2015م) وصفت بأنها قرارات تاريخية، حيث سمح بصعود الجيل الثاني من أبناء الملك المؤسس إلى مراتب الحكم بسلاسة ويسر، حيث تضمنت القرارات اختيار الأمير محمد بن نايف وليا للعهد ليصبح أول حفيد للمؤسس يعين في هذا المنصب، وتعيين الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، والموافقة على طلب وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل بإعفائه من منصبه لظروفه الصحية وتعيين عادل الجبير وزيرا للخارجية وتعيين وزراء جدد للصحة والعمل والاقتصاد والتخطيط ورئاسة الديوان الملكي. المربع الذهبي للقرارات ويتضح من هذا السرد المتتابع لأهم قرارات الملك أن هذه القرارات تمثل دليل حركة مستقبل مشرق آمن في سبيل وطن يستحق كافة الجهود والتضحيات ليبقى شامخا، وقد سارت هذه القرارات في عدة محاور سياسية واقتصادية واجتماعية نوجزها في الآتي: تثبيت بيت الحكم وترتيب أركان الدولة الذي طمأن الشعب والأمة على وحدة البيت السعودي وسلاسة انتقال الحكم فيه وأخرس من جهة أخرى الأصوات التي روجت لظهور قلاقل أو نزاعات بهذا الخصوص. خصت المواطنين بشكل مباشر مثل تسريع خدمات الكهرباء والمياه، والعفو عن سجناء الحق العام، ومنح إعانة شهرين للمعاقين، وتفعيل مشروعات الوزارات الخدمية، وصرف راتب شهرين للمتقاعدين والموظفين ومستفيدي الضمان الاجتماعي والطلاب والمبتعثين.. إلخ. كما ظهرت لاحقا قرارات إضافية لا يمكن تجاهلها هي الأخرى مثل استمرار برنامج الابتعاث. أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد حولت المملكة إلى ملتقى عالمي استقبل خلالها الملك سلمان عددا كبيرا من رؤساء الدول والوفود الأجنبية. ومن النتائج التي تمخضت عنها هذه اللقاءات توحيد الجهود العربية والعالمية ضد الأحداث الجارية في اليمن على وجه الخصوص. وكان اجتماع الملك سلمان مع القيادات الخليجية تحديدا قد تمخض عنه انطلاق «عاصفة الحزم». أما على الصعيد الاقتصادي فيكفي التذكير بأن تهاوي أسعار النفط لم يؤثر على مسيرة التنمية في السعودية أو يقلص من زخم المشروعات فيها. فمنذ تولي الملك سلمان مقاليد الحكم لم نسمع مثلا بتوقف العمل في أي من المشروعات الضخمة المقررة في الميزانية العامة كما لم نشهد حالة هلع في أسواق المال والأسهم أو تضخما في أسعار السلع والخدمات، بل على العكس تماما استمرت أسواقها المالية بالارتفاع (وما زالت) واحتفظت المملكة بمركزها المتقدم في مجموعة العشرين الاقتصادية، وعقدت شراكات اقتصادية مهمة مع كوريا الجنوبية والمجموعة الأوروبية واليابان.