تفضل الشيخ عبدالرحمن فقيه بإهدائي نسخة من كتابه «لمحات من حياتي» الذي قرأته واستمتعت بمحتواه وأعجبت به إعجابا شديدا، حيث فسر لي الكثير عن هذه الشخصية الفذة المحببة والمحيرة لدى البعض أحيانا والتي اتصفت بتحديد الهدف بدقة متناهية ووضوح ورسم الطرق والمسارات للوصول إلى هذا الهدف، وجعله واقعا ملموسا، متحملة في سبيل ذلك الكثير من المصاعب ومكتسحة عشرات المشاكل بعناد وعزيمة وتصميم ومثابرة للوصول إلى الهدف. فمشروع كمشروع شركة مكة للإنشاء والتعمير جديد في فكرته، قوي في منطقه، مفيد في عوائده، مطورا لموقعه ومؤسسا لأول واجهة جميلة وحديثة ورائعة أمام بيت الله الحرام يقام من قبل القطاع الخاص. وبمشاهدتي ومتابعتي عن قرب لبعض مراحل التأسيس للمشروع كنت دائما أقول إن مثل هذا المشروع لا يصلح له إلا رجل كالشيخ عبدالرحمن فقيه؛ لأنني لمست فيه وبإعجاب شديد العزيمة والتصميم والمتابعة الشخصية اللصيقة وما تحمله من متاعب وما قدمه من تضحيات ودعم مادي شخصي لتذليل الصعوبات الكثيرة والمتنوعة حتى أضحى مبنى شركة مكة صرحا يفخر به أبناء مكة وحجاجها ومعتمروها. وما إن شارف مبنى شركة مكة في الظهور مرتفعا طابقا فوق الآخر حتى تم طرح فكرة تطوير منطقة جبل عمر، حيث نشر الفكرة في محيط من حوله ثم خرج بها للعلن وجند الرجال المتخصصين لإعداد الدراسات والإحصائيات ودراسات الجدوى ودراسات السوق وغيرها للمشروع معددا فوائده الإنسانية والتنظيمية والاجتماعية والتطويرية والروحانية والمادية وغيرها، ثم شرع في عمل مجسمات للمشروع يضم الأبراج والطرق والأسواق والمساجد والمصليات وكل مكونات المشروع من خلال شركات هندسية إقليمية وعالمية وخصص مبنى بحي العزيزية باسم المشروع ضم مجسمات المشروع وكل ما يتعلق به. الوضع الذي مكن المسؤولين والزائرين والراغبين في الاطلاع على النموذج الذي ستكون عليه منطقة جبل عمر بعد التطوير. وبعد أن استوت ونضجت الفكرة شرع في اتخاذ الخطوات النظامية خطوة بعد أخرى حتى صدر المرسوم الملكي الكريم بتأسيس شركة جبل عمر شركة مساهمة عامة، حيث تحمل منفردا كل هذا العناء في التأسيس والمتابعة حتى أضحى هذا المشروع ومن قبله مشروع شركة مكة للإنشاء والتعمير حقيقة قائمة إلا في حالات محدودة استعان بجهود البعض أمثال العم الشيخ عبدالله بن سعيد رحمه الله في مشروع شركة مكة. فهنيئا لأبي طلال ما حقق وأنجز من مشاريع تطويرية وعمرانية لمكةالمكرمة. كما ذكرت في بداية مقالي هذا أنني قرأت كتاب «لمحات من حياتي» بإعجاب شديد وضح لي الكثير عن هذه الشخصية الفذة الصلبة المحببة، فلا غرو أن هذه الشخصية شخصية خلاقة مبتكرة لديها رؤى عميقة وبعيدة النظر، فخاضت غمار التجارب الكيميائية لمواد الصباغة والصابون والحرير وغيرها، ومارست الاستيراد وتجارة المواد الغذائية والسمن النباتي، ولم يقف الطموح والعطاء عند هذا الحد رغم أن التجارة بأنواعها حققت لها أرباحا، إلا أن هذه الشخصية تتطلع دائما إلى أهداف أسمى وأكبر وأجد، فكان البدء في صناعة الدواجن بمستوى علمي وحديث، وتطورت هذه الصناعة منذ عام 1383ه حتى الآن، وأضحت مصانع ومزارع فقيه للدواجن من أكثر صناعات الدواجن في الشرق الأوسط والعالم تنتج الملايين من الدجاج والصوص واللاحم والبيض يوميا وغيره من المنتجات، وصاحب هذه الصناعة إنشاء الصناعات الخدمية اللازمة لاستكمال دائرة الإنتاج؛ مثل مصنع الأعلاف ومصنع الأسمدة العضوية ومصنع عصر البذور، واختتمت القائمة بمطاعم الطازج للدجاج بنكهاته الفريدة، ثم طورت هذه المطاعم قائمة أطعمتها بعشرات من الأنواع والأكلات، وبلغت مطاعم الطازج أكثر من 90 فرعا محليا وعالميا. ولا يفوتني هنا أن أذكر جهود الشيخ عبدالرحمن فقيه في إنشاء مركز فقيه للأبحاث والتطوير؛ إيمانا منه بضرورة الإنفاق والاستثمار في البحث العلمي، وهو عمل خيري لا يسعى من ورائه إلى تحقيق ربح مادي، إنه مشروع اجتماعي وطني يخدم البلاد والعباد، وأجرى المركز العديد من أبحاث المياه للأودية والشعاب في منطقة مكةالمكرمة، كما بحث في تسرب المياه في الشبكة العامة لمكةالمكرمة، وقدم الحلول والمقترحات وأبحاث أخرى لإعادة استخدام المياه ودراسات وأبحاث لقضايا البيئة ودراسات لإنشاء مسارات متحركة للحجاج في المشاعر تختصر رحلة المشاة للحجاج من عرفات إلى مزدلفة إلى منى وغيره من الدراسات والأبحاث. أما عن المشاريع السياحية، فأنشأ العديد من المطاعم السياحية الفخمة على كورنيش جدة، وأنشأ منتجع النورس أيضا على الكورنيش وبجواره مطعم الودعة، كما أنشأ مدينة ملاهٍ ضخمة تعتبر الأكبر في مدينة جدة تسمى «ملاهي الشلال» تضم العديد من الألعاب الرئيسية والمطاعم السريعة والجلسات العائلية. لا شك أن مشروع بضخامة وفخامة «فقيه إكواريوم» مقام على كورنيش جدة يعد مشروعا سياحيا كبيرا يحسن واجهة الكورنيش ويحقق أبعادا كثيرة علمية ترفيهية. إن مشروع «فقيه إكواريوم» بما يحتويه من أحواض مائية وأنفاق تمتلئ بأنواع شتى من أسماك البحر وقروشه والأشكال المرجانية الجميلة والعديدة والمتنوعة، يعتبر واجهة سياحية متطورة لمدينة جدة، وللاستمتاع بزيارة الإكواريوم عليك حضور أحد عروض الدلافين الاستعراضية. لا شك أن هذا المشروع لم ينشأ على أسس اقتصادية ربحية بحتة بقدر ما هي رسالة من رجل مميز لمشروع مميز قدمه وطوره الشيخ عبدالرحمن إيمانا منه بواجبه الوطني نحو بلاده وأبناء بلاده وإيجاد ما يسعدهم من مشاريع عالمية وعلمية وترفيهية. وختاما، لهذه المسيرة المباركة لهذه الشخصية الطموحة أنشأ الشيخ عبدالرحمن مدارس فقيه النموذجية بمكةالمكرمة امتثالا بما نزل به الوحي الإلهي الأمين على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما قال له (إقرأ)، فهذه المدارس وهذا المجمع التعليمي الذي يضم كل مراحل التعليم من الابتدائي حتى الثانوي وما جهز له من مبانٍ وفصول ومكتبة عامة ومعامل ومختبرات ومركز رياضي وكلها على مستويات عالمية هدية من ابن مكة لأبناء مكة. هنيئا مرة أخرى لأبي طلال على هذه السيرة الحسنة والموافقة، وإن كانت المسيرة صعبة وشاقة وتصادمية في بعض الأحيان، إلا أن هذه هي لذة الحياة أخذ وعطاء وكر وفر وصراع يوم لك ويوم عليك ويوم كفاك الله شره. جعل الله ما قدمه لمكةالمكرمة ولوطنه وأبنائه في موازين حسناته وأمده بالصحة والعافية ووفقه وأطال في عمره إن شاء الله وهو بكامل الصحة والعافية وحقق الله له أمانيه بالانتهاء من مشروع جبل عمر وهو في صحة وعافية. وختاماً، فإن كتاب (لمحات من حياتي) هو صفحة ناصعة من تاريخ مواطن مخلص في تاريخ بلاد الحرمين الشريفين وتاريخ بلد الله الأمين. * رجل أعمال