نحن نعيش في لحظة دولية غير مستقرة، نمط العلاقات الدولية يتغير فيها بشكل حاد مفاجئ، وما يخصنا في المنطقة هذه اللحظة الدولية غير المستقرة التي نعيشها كل يوم بخسائر وانهيارات ومرارات لا نعرف الى أين تنتهي، ويكفي أن نضرب أمثلة على حالة عدم الاستقرار العاصف، ما نراه اليوم ونعيشه بكل جوارحنا حيث المنطقة العربية التي كنا نشكو من تراتبيتها وسكونها انفجرت بما يذكرنا بالأساطير التي كانت تحكى لنا عن جزيرة في قلب المحيط نبني عليها واقعنا واحلامنا ثم اذ بنا نكتشف ان الجزيرة ليست سوى ظهر حوت ضخم وان الحوت الساكن فوق الماء، غاص في مياه المحيط والواقع والأحلام كلها غرقت في غمضة عين كما لو ان كل ذلك لم يكن سوى مجرد وهم. انظروا الى العراق كيف امسى، العراق الذي كان مدججا بالقوة والتاريخ وبالتماسك بين مفرداته العرقية والطائفية وتاريخه الممتد في غمضة عين تحول كل ذلك الثراء التعددي الى أشلاء يائسة! وكل ما قيل منا كأبناء هذه الأمة ومن غيرنا أصدقاء واعداء لا يبرر النتائج المفجعة. وانظروا الى ليبيا وسوريا.. وحدث ولاحرج! في القلب من ذلك كله تأتي فلسطين، أول الاسئلة واقسى الاختبارات، نحن في فلسطين نعاني من انقسام سياسي، جغرافي، صنعته نكبتنا في الاساس، وعمقه الإسرائيليون بسياساتهم المكشوفة للجميع لقمع الفلسطينيين وهضم حقوقهم. ولدينا انقسام من خلال ايديولوجيا الفصائل وتبعيتها هنا وهناك، وانقسامات في جوف هذه الفصائل نفسها، فكيف في هذا الواقع نطمع في مصالحة ووحدة وطنية وقرار واحد ورؤية تشمل الجميع؟ كيف نجدد شرعياتنا وكل طرف راض بما اقتطعته أنيابه من لحم الشرعية الوطنية؟ هذا مع العلم اننا نتناوش بالأنياب على ما خلفه لنا الذئب المسعور الهائج وهو الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتحول كل ما قلناه عنه بأنه العدو الرئيسي الى أضغاث احلام بعد النماذج التي اقترفها الإخوان المسلمون وداعش وجبهة النصرة وبقية العائلة الإرهابية المنتشرة كاللعنات السوداء من «المحيط الهادر الى الخليج الثائر»، ورحم الله أغاني أيام زمان! نحتاج الى نقاش شجاع نتصارح فيه على الحقائق بهدف تقليل الخسائر وليس تعظيم الارباح، بحيث نعرف اين نحن بالضبط والى اين الخطوة المقبلة، ذلك ان كل الملفات المطروحة هي ملفات معقدة، ويجب أن تكون اختياراتنا بميزان من ذهب، ونعرف من تجاربنا الطويلة القاسية ان تقنين الخسائر، ووقف التدهور بمرحلة معينة قد يكون هو رأس الحكمة واعظم المكاسب الممكنة.