لم تمضِ سوى بضعة أشهر فقط على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في البلاد، إلا أنها كانت فترة حافلة بالكثير من الأحداث المهمة والقرارات الجريئة؛ سواء في الشأنين المحلي والخارجي أو على المستويين السياسي والعسكري، كان من أحدثها وأبرزها تعيين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، واختيار الأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، كما سبق ذلك تشكيل الحكومة السعودية برؤية مختلفة، هذا إضافة لتحقيق العديد من الإنجازات «النوعية» التي تجاوزت بكثير ما يمكن أن تحققه دول أخرى في مثل ذلك الوقت القصير، خصوصا حينما يتولى القيادة فيها قادة جدد؛ وبصرف النظر عن طبيعة الأنظمة الحاكمة. وقد توالت تباعا منذ ذلك الحين الكثير من المؤشرات الإيجابية المؤكدة على استمرار تمسك بيت الحكم السعودي بمنظومة القيم السامية المستمدة من ديننا الحنيف ومكارم الأخلاق، تلك القيم قامت عليها بلادنا منذ عهد الملك المؤسس طيب الله ثراه، واستمرت من بعده طوال عهود جميع أنجاله الملوك، لهذا لايمكن أن تخطىء عين منصف حرص قيادتنا على ترجمة الأقوال بالأفعال، وقد تأكد ذلك بعد الرسائل القوية والمباشرة التي أرسلها الملك للداخل والخارج، والتي وردت بوضوح في خطاب الحكم الذي وجهه إلى الشعب، وكان بمثابة خارطة طريق لعهده، وكان من أبرز ما قال فيه أن «كل مواطن هو محل اهتمامي ورعايتي، ولا فرق بين مواطن وآخر ولا بين منطقة وأخرى». وقد تمحورت رسائل الملك؛ سواء الواردة في خطابه أو في قراراته، حول عدد من الثوابت التي تصب في مصلحة اللحمة الوطنية؛ في مقدمتها تعزيز الاطمئنان الأمني والمعيشي، ورفع مستوى الأداء، والتأكيد على المساواة، وإنفاذ العدالة، ونبذ العنصرية، والتصدي للطائفية، ومكافحة المناطقية، ومواجهة القبلية، ومحاربة التمييز بكافة صوره وأشكاله، ولأن الناس شهود الله على أرضه، فهم يستطيعون حتما التمييز بين الشعارات الجوفاء وبين الأفعال الناجزة، بنفس القدر الذي يدركون فيه الفرق الكبير بين الواقع والتنظير، لذلك لم يكن مستغربا ترحيب مجتمعنا بالقرارات الحاسمة، سواء تلك الصادرة عن الملك شخصيا، أو من أركان حكمه، خصوصا أنها لم تفرق بين مسؤول رفيع وموظف صغير، ولا بين صاحب مكانة اجتماعية ومواطن عادي، فالكل سواسية أمام عدل سلمان وحزمه وحسمه. وكان من الطبيعي أن يزيد نهج الملك من اطمئنان المواطنين بأن الدولة ماضية قدما في مبادئها للانتصار للقيم، وعدم التساهل مع التقصير، ومعاقبة التجاوزات، خصوصا تلك التي تخل بوحدة الوطن، أو تؤثر على استقراره؛ أيا كان نوعها أو شخصية مرتكبها، وأن معيار الحصانة الأول هو أداء الحقوق واحترام الأنظمة وتنفيذ التوجيهات السامية، ولم يمض وقت طويل على خطاب الملك ليدرك ذلك المواطن الذي لم يحصل على حق والده المريض في العلاج، أن الحديث الذي سمعه من الملك قبل أسابيع لم يكن مجرد شعار للاستهلاك الداخلي وإنما إرادة صادقة؛ ترجمتها قرارات سريعة ونافذة إلى واقع ملموس. والأكيد هو أن الحسم الذي انتهجه سلمان بن عبد العزيز بوقوفه الحازم في وجه الممارسات الطائفية والعنصرية سيتحول قريبا إلى نهج مؤسسي. وانطلاقا من كون رؤية الملك القِيمية، وحزمه الواضح في تنفيذها قد شكلا نموذجا يحتذى به، فضلاّ عن كونهما مصدر إلهام لأعوانه من الوزراء وكبار مسؤولي الحكومة، لم يتساهل وزير التعليم في التعامل الحازم والسريع مع واقعة طائفية أخرى ترتب عليها نقل معلمة من مقر عملها بدون وجه حق، بعد استجابة (جهة ما) في الوزارة لتحريض مذهبي ضدها، صدر عن إمام مسجد حيث أمر الوزير بإعادة المعلمة وفتح تحقيقا في الموضوع. ختاما، يبدو من الواضح الآن أن الرابط المشترك بين طريقة التعامل مع جميع الحوادث السابقة هو إقرار الملك لخطوط حمراء لا ينبغي لأحد تجاوزها، وتدور حول رفض جميع الممارسات البغيضة التي تؤثر على وحدتنا الوطنية، أو تنتقص من كرامة المواطنين، أو تمنع عنهم حقوقهم، أو تتسبب في التمييز ضدهم؛ تحت أي اعتبار، وربما آن الأوان لتعزيز رؤية الملك سلمان الخاصة بإعلاء القيم وذلك بالعمل على سرعة إصدار نظام صارم لتجريم ومعاقبة كل ما يمكن أن يفتح أبواب الفتن أو يثير النعرات؛ سواء أكان ذلك خطابا طائفيا، أو تصرفا عنصريا لأن الوطن.. فوق الجميع. [email protected]