في شهر يونيو من سنة 1945م، التأم شمل خمسين دولة في سان فرانسيسكو لاعتماد دستور الأممالمتحدة، وتدشين هذه المنظمة الدولية الكبرى، كانت المملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول التي نالت شرف تأسيس هذه المنظمة. كانت السعودية وقتذاك دولة ناشئة لم يمض على إعلانها أكثر من ثلاث عشرة سنة! مثلت هذه المشاركة رسالة قوية تشعر بالقوة الدبلوماسية لهذه الدولة الفتية التي بدأت تشق خطواتها بعزم وحزم. كما مثلت انطلاقة فاعلة للأدوار الدبلوماسية السعودية التي سجلها التاريخ بعد ذلك. حيث أسهمت المملكة في تأسيس أو تفعيل عدد من أهم المؤسسات الدولية. فالمملكة عضو مؤسس في منظمة الدولة العربية المصدرة للنفط (أوابك)، وعضو فاعل في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك). وقد سعت من خلال هاتين العضويتين إلى إحداث توازن عادل في أسعار النفط، بحيث لا تتضرر الدول الفقيرة. وفي الرياض سنة 1981م، تم إعلان (مجلس التعاون لدول الخليج العربي) الذي يعد أنجح التكتلات الإقليمية العربية على الإطلاق. وفي جدة، تستقر الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هذه المنظمة الضخمة التي تضم سبعا وخمسين دولة إسلامية، والتي تفرعت عنها منظمات ذات ثقل علمي واقتصادي؛ كالبنك الإسلامي للتنمية، والمجمع الفقهي، والإيسيسكو، ووكالة الأنباء الإسلامية الدولية. كما تحظى المملكة بعضوية (مجموعة العشرين) التي تمثل ثلثي تجارة العالم، وتنتج نحو 90% من الخام في العالم. وفي عام 1434ه، تم انتخاب المملكة لعضوية مجلس الأمن، نظرا لثقلها السياسي والاقتصادي، ولكن المملكة فاجأت العالم كله برفض هذه العضوية «حتى يتم إصلاحه وتمكينه فعليا وعمليا من أداء واجباته وتحمل مسؤولياته في الحفاظ على الأمن والسلم العالميين». لقد كان هذا الموقف الصلب شاهدا عدلا على أن المملكة العربية السعودية إنما تتحرك في الفضاء السياسي الدولي بحسب ما ترى فيه مصلحة لها وللبشرية، فحيث ترى أن هناك مجالا لخدمة الإنسانية تقدم، وحيث ترى غير ذلك تحجم. وهو صنيع الدول الكبيرة التي تثق في نفسها، وتحترم قيمها ومبادئها. وعلى امتداد تاريخ المملكة كانت مواقفها السياسية، وصولاتها في المحافل الدولية، وحراكها في أروقة صناعة القرار الدولي، دليلا على تأثيرها البالغ، وثقلها العالمي، وقدرتها الفذة على توجيه دفة القرار الدولي. وها نحن اليوم أمام شاهد جديد، ودليل جديد، على نجاعة الديبلوماسية السعودية، إنه النصر الكبير الذي حققته المملكة وحلفاؤها باعتماد مشروع القرار العربي بشأن اليمن تحت الفصل السابع. حيث اعتمد القرار بتأييد 14 صوتا، وامتناع عضو واحد عن التصويت، وعدم وجود معترضين! إنها من المرات القليلة في تاريخ مجلس الأمن التي تخرج فيها قرارات من هذا النوع بصيغة تشبه الإجماع، رغم تشابك الأوضاع وتداخل الرؤى، وما كان هذا ليتم بعد فضل الله لولا الجهود الدبلوماسية الهائلة التي بذلتها المملكة، والتي أصبحت معها الرياض قبلة للزعماء والساسة طوال الأيام القليلة التي سبقت إقرار هذا المشروع. نحن، إذن، أمام دولة كبرى أتقنت فن السياسة، وأمام قيادة حكيمة تعرف ما تأتي وما تذر. فهنيئا لنا بوطننا.. وقيادتنا.