لم يكن قطاع شرورة، مجرد منفذ حدودي مع اليمن الشقيق، ولم تكن الصحراء الشاسعة، عبارة عن رمال يمكن أن تحمي الخارجين عن الأنظمة، أو الفارين من العدالة، فلقد أثبت من يحمون هذا القطاع أنهم قادرون على أن يحولوا الرمال إلى مقابر للطامعين، ومدافن للحالمين بالإفلات من يد العدالة في الداخل. على الشريط الحدودي في هذا القطاع، رجال ترجمت أفعالهم قوتهم وإمكانياتهم في الحفاظ على الشريط الحدودي للمملكة، بعدما سطروا أروع البطولات في مواجهتهم، مع من سولت لهم أنفسهم الخروج إلى اليمن بطرق عنجهية من عناصر القاعدة الفارين من وجه العدالة، بعد القبض عليهم في عملية نوعية أثبتت كفاءة رجال حرس الحدود، ومدى تضحياتهم في سبيل المحافظة على أمن الوطن، لا تثنيهم عن أداء واجبهم التضاريس الصعبة التي تجمع بين الأرض المستوية، وغزارة الرمال، وعروق رملية مرتفعة قد يصل ارتفاعها إلى 140 مترا. ويشير قائد قطاع حرس الحدود بمحافظة شرورة العقيد منصور حمدان القحطاني، إلى أن ضباط وأفراد القطاع وعلى طول المساحات الشاسعة جاهزون لمواجهة أي اعتداء من قبل الانقلابيين الحوثيين، مؤكدا بأنهم لن يجرؤوا على الاقتراب من الحدود، لأنهم يدركون أنهم متمردون على بلادهم وشعبهم ويحاولون بث الفوضى لدى جيرانهم، وسيواجهون رجالنا المؤمنين بعدالة قضيتهم والدفاع عن وطنهم والذود عن حياضه بالغالي والنفيس. وقال القحطاني، إن رجال حرس الحدود سطروا أروع الملاحم على تراب صحراء الربع الخالي في شرورة والوديعة، ونجحوا في مواجهة عناصر من الإرهابيين والمهربين، وهم قادرون بعون الله على دحر كل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن وسلامته. سيطرة كاملة وأكد العقيد القحطاني، أن مسؤوليات قطاع شرورة تبدأ من أجزاء في خباش مرورا بكامل شرورة وامتدادا إلى محافظة الخرخير، وقال «رغم كل ذلك إلا أن هذه المساحات الشاسعة تحت السيطرة، يساعدنا في ذلك همم الرجال والوسائل الرقابية في حرم الحدود»، موضحا أن الشبك الشائك ساهم وبشكل كبير في الحد من حالات التسلل، رغم محاولات المتسللين تجاوز الحدود بعدة وسائل، إلا أن الدوريات فرضت سيطرتها وتكاد تكون خالية من التسلل، مبينا أن قطاع شرورة يضم 7 مجمعات، وكل مجمع بمثابة قطاع، وجميعها مدعومة بالقوى البشرية الكافية والقادرة على التعامل مع مسرح العمليات وفق خطط حديثة، ومن أهمها المسح المستمر على مدار الساعة، مشيرا إلى أن دوريات القطاع تمسح كامل المساحة الشاسعة على مدار ال24 ساعة، وقال «هذا يعكس الجهد المبذول في عملية استثمار هذه القوى البشرية»، كاشفا عن تركيب أجهزة حديثة على مجموعة من السيارات لرصد تحركاتها ميدانيا، وتحديد مواقعها عبر الاتصالات قريبة وبعيدة المدى. جولة في الصحراء اتجهنا وسط صحراء الربع الخالي متوجهين إلى بعض هذه المجمعات، وتوقفنا أكثر من مرة لمشاهدة موانع القارديل والحواجز الحديدية والصبات الخرسانية، التي غطت تقريبا 60 في المائة من مسؤوليات قطاع شرورة، فيما تم تأمين المساحة المتبقية بالعقوم والحواجز الترابية، حتى يستكمل مشروع القارديل، وتجولنا في مرافقها التي توحي لنا من أول وهلة وكأنها منتجعات تقع بين الكثبان الرملية. دورات وسط الرمال يقول الرائد سعيد القرني، إن المجمعات تضم سكنا للضباط والأفراد، ومطابخ ومطاعم وعيادات طبية بصيدليات، ومغاسل للملابس، ومستودعات للذخيرة، وورشا للصيانة، وكاميرات المراقبة لحماية المجمعات من أي اعتداء، إضافة ميادين للتدريب على رأس العمل لعقد الدورات وسط الصحراء، الأمر الذي يغني عن الذهاب للمدن لتلقي الدورات المتخصصة في مجال العمل الميداني ومواجهة المهربين والمتسللين، مشيرا إلى أن التدريب يشتمل أيضا على كيفية اقتفاء الأثر سواء للسيارات أو المتسللين والمهربين الراجلين، إضافة إلى تطبيق فرضيات على أرض الواقع تكشف مدى استفادة العاملين في المجمعات من هذه الدورات، والتأكد من أن مخرجاتها جاءت بالنتائج المرجوة. هناك وجدنا كبار سن وشباب يعملون ليل نهار من خلال هذه المجمعات المزروعة وسط الصحراء لتأمين الحدود وصون الوطن من أي اعتداء، يتسلحون بالخبرة وهم يباشرون أعمالهم وهم يدركون بأنهم في مرمى الخطر، وأنهم قد لا يعودون إلى مجمعاتهم، لكن كل هذا لم يعد يخيفهم أو يشكل لهم مصدر قلق، فقد اكتسبوا من طبيعة عملهم في الصحراء، حب المغامرة والبحث عن شرف أداء الواجب. وعبر خط الدوريات الترابي الذي يشق العروم الترابية المرتفعة، اتجهنا إلى الوديعة التي تبعد عن المعاطيف 150 كم تقريبا، لا تغيب معدات الشركات العملاقة عن الأنظار وهي تباشر العمل في استكمال مشاريع القارديل والعروم الترابية إضافة للخط الأسفلتي، كان الطريق صعبا وشاقا وإن كانت طبيعة الصحراء ممتعة، وهنا قال الرائد سعيد القرني «نمر بالقرب من الخط الخلفي متجهين للخط الأمامي، وما بين الخطين دوريات تحفظ الأمن وتتقفى أي أثر للسيارات، خاصة أن التسلل للراجلين صعب جدا، لأن من يلجأ إلى ذلك مصيره الموت وسط الكثبان الرملية والخنادق». وصلنا إلى منفذ الوديعة، ووقفنا على بعض المواقع التي كان يستغلها المتسللون للدخول إلى أراضي المملكة، وأضاف الرائد سعيد القرني: تم إحكام الرقابة عليها في ظل الخطط العامة للسيطرة على كامل الحدود، مشيرا إلى الموقع الذي شهد المواجهة بين أحد الإرهابيين وأفراد من حرس الحدود، والتي استشهد خلالها أحد الضباط برتبة عقيد، وانتهت بقتل الإرهابي بعد ست ساعات من المراقبة والمتابعة لتحركاته، مضيفا: كانت التعليمات صارمة في تلك الليلة وتقضي بأن يتم القبض على الإرهابي حيا أو ميتا، لأنه يحمل نوايا هدامه وأفكارا ضالة. الرمق الأخير التقينا عددا من الضباط والأفراد، وأكدوا أنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز وهم يؤدون واجبهم الوطني، وأن التضاريس الصعبة لن تثنيهم عن مواجهة العدو الغاشم، لأنهم متمرسون على المواجهات في مثل هذه الظروف، وقالوا إن الحوثيين الذين يحاولون بث الفوضى بجوار الأراضي السعودية سيواجهون رجالا أشداء يؤمنون بأن أمن الوطن وسلامة المواطن خط أحمر، وهذه الجماعة أصبحت منبوذة من جميع الشعوب بسبب أعمالها التخريبية والعدوانية، وأهدافها المشبوهة التي لا تخدم اليمن ولا المملكة، وقالوا إن نهايتها قريبة جدا بعد أن تلقت ضربات موجعة من الجو وستتلقاها من البر بمشيئة الله تعالى، إذا ما حاولوا الاقتراب من حدودنا.