كلما شاهدت نشرات الأخبار وما يلحق بها من تعليقات وتحليلات وحوارات، اعتراني شك في أن زمننا هذا زمن خلق للكراهية، الكراهية وحدها، لا شيء غيرها!! حين تشاهد كل ذلك مساء كل ليلة، جرب أن تستعين بجهازك الذكي واحسب كم نسبة ما في تلك الأخبار والأحاديث من عبارات مغلفة بالحب، وكم نسبة ما فيها من عبارات مغموسة بالكره في سيل من ألفاظ التشاتم والاتهامات، عدا صور الاعتداءات والضرب والقتل والإيذاء!! أكاد أقول إن الذين يجدون لذة في مضغ الكراهية ويشعرون بالراحة كلما أوقعوا شرا بالآخرين، أكبر عددا بكثير من غيرهم. من المسؤول عن نشوء هذا الكم الكبير من مشاعر الكراهية المتنامية في قلوب الناس؟ هل الكراهية جينات تجري في دم الإنسان لا سلطة له على تغييرها، أم أنها سلوك يكتسب يورثه الآباء للأبناء؟ الكراهية تعقد المشكلات، وتستهلك الطاقة ولا تنتج حلولا، ومع ذلك تجد الناس يقبلون عليها أسرع من إقبالهم على الحب؟ ما السر في ذلك؟ هل في طبيعة البشر أن يكون تولد الكراهية في صدور الناس أيسر وأسرع من تولد الحب؟ هناك قول شائع يؤمن به كثيرون: الكره يولد الكره، فلِم لا يكون أيضا الحب يولد الحب؟ لم أحيانا حين نحب لا نجد بالضرورة من يبادلنا حبا بحب، أما حين نكره فإنه سرعان ما يرتد الكره إلينا، يصير كرهنا أمرا محتوما، فالناس غالبا يدفعون الكره بكره مماثل، أما في الحب فالأمر غير ذلك تماما، الحب لا يدفعه أحد، من الأحمق الذي يبادر إلى دفع الحب عن نفسه؟!! يقول أحد الفلاسفة الروحيين الهنود في تبريره لذلك: «الحب ليس رد فعل لما أحسه منك!! فأن أحبك لمجرد أنك تحبني لا يكون هذا حبا، هو مقايضة معك، الحب الحق لا يكون في مقابل شيء، حتى وإن كان الحب». الحب والكراهية كلاهما عاطفتان تتمازجان داخل النفس البشرية، لكنهما تتدثران بغموض بالغ يحجب عنا معرفة أيهما أيسر في التولد؟ وأيهما أسرع في الظهور؟ وأيهما أشد قوة وأطول بقاء وثباتا في القلب، الحب أم الكره؟ ألا ترون معي أن الموضوع يستحق الدراسة؟ ليس لأنه محير فحسب، وإنما أملا في أن يتمكن الإنسان يوما ما من اكتشاف أسرار تفاعلات النفس البشرية، فينجح في الحد من تولد مشاعر الكراهية في القلوب وزيادة نسبة نمو المحبة بين الناس!!.