نسمع عن التفكير «خارج الصندوق»، بمعنى الابتعاد عن الإطار الفكري المحدود والمقيد بالحدود التقليدية الضيقة النطاق. ولكن هناك كلمات تجبرك على التوقف عن الخوض بتفكيرك. وتجعلك «تفرمل». وأبدأ بمثال موقف تكرار مشاكل السباكة في منزلي منذ فترة. حضر الأخ «مشتاق» وكان السباك الذي يتميز بحرفية رائعة، ويتميز أيضا برؤية فلسفية جميلة حيال السباكة نفسها. وهذه طبعا ميزة فريدة لأن السباكة والفلسفة لا يجتمعان ضمن الإطار الفكري التقليدي. الشاهد أن المشكلة كانت تتعلق بتهريب المياه بداخل خزان «السيفون» أعزكم الله. وبعد الفحص الدقيق، تغيرت ملامح «مشتاق» وفسر لي مشكلة ضغط الماء بداخل الخزان وحركة المياه دخولا وخروجا منه، يعني لا مؤاخذة «دورة المياه» بمعناها الواسع، وبصراحة لم أفهم كل ما قاله بالرغم أنني درست بعض الفيزياء. وبعدها طلب مني أن أتخيل أنني بداخل خزان السيفون لأراقب حركة الماء، وفروقات الضغط في الأنابيب المختلفة. «فرملت» الأفكار عندي بمجرد ذكر التخيل أن أكون بداخل خزان السيفون. وكان شرف تخيل لا أرغبه. ومثال آخر طرأ على بالي في شأن الروقان له علاقة بالناموس. لا يخفى على الجميع أن هجوم البعوض علينا في هذا الموسم وصل الى مرحلة مزعجة جدا. وطلبت من قاتل الحشرات «بيرت» أن يحضر لمنزلي للقضاء على أسراب هذه الحشرة المزعجة. وهذا الرجل يعتبر «بعبع» مكافحة الحشرات. يتميز بجديته في العمل، وفي دقته، والعمل الدؤوب على إيجاد أحدث الطرق للقضاء على الحشرات بجميع أنواعها. اعتقد أن يوم سفره الى الفلبين ستعم فرحة كبيرة عالم الحشرات في شمال جدة. ولهذا الرجل نظرات فلسفية طريفة لعمله بالرغم أن قتل الحشرات والفلسفة لا يجتمعان في إطارهما التقليدي. حضر الى منزلي أكثر من مرة خلال الشهر الماضي، ورش المنزل من الداخل والخارج أكثر من مرة، وبطرق مختلفة، بدون جدوى. وكأن الناموس تعلم لعبة «الاستغماية» مع هذا الرجل بالذات. الشاهد أن آخر مرة حضر فيها كان محرجا لعدم قدرته للقضاء التام على البعوض. وتوقف لحظة وقال لي إنه يريد أن نفكر سويا كالبعوض لنرى كيف يهرب من المبيدات التي تم استخدامها في الرش أرضا وجوا. بصراحة لم أجد طريقة أن أفكر كالبعوض ففرملت أفكاري. كان تخيلا لا أود أن أخوض فيه. وأخيرا تذكرت مثالا طريفا عندما كنت طالبا في إنجلترا أيام زمان. سألني أستاذ الكيمياء عن كيفية اتحاد عنصر الحديد مع الأوكسجين لأكون الصدأ. ولكي يجعل الموضوع ذا شجون وإثارة، طلب مني أن أتخيل أنني مجموعة من ذرات الحديد وأريد أن «أسرق» بعض الإلكترونات من ذرات الأوكسجين. بصراحة «فرملت» عند موضوع السرقة لأنني كنت أعتز، ولا زلت، وسأكون دائما بعيدا كل البعد عن موضوع السرقات ولله الحمد، حتى وإن كانت من باب التشبيه البريء. أمنية يمر شتاء آخر على المظلومين في العديد من الدول العربية والإسلامية. ملايين بدون تدفئة، ومرضى بدون علاج، وأطفال بدون تعليم، وكلهم بدون غذاء وكساء كافيين، ولا أمن ولا سلام. أتمنى أن تنتهي هذه المآسي. وسأفرمل هنا لأن الموضوع واضح. والله من وراء القصد.