لو بحثت عن اشد المخلوقات فتكا بالبشرية عبر التاريخ، فستجدها في أغرب الأماكن. لن تكون كما تتخيل من أسود، أو نمور، أو أسماك القرش. طولها لن يزيد على طول هذه الكلمة، ووزنها لن يزيد على وزن قطرتي ماء. ولكن خلف حجمها الصغير وتركيبتها التي توحي بالوهن، ستجدها مؤذية لدرجة ممكن أن تصل الى القتل. هي الناموسة الخبيثة التي تتسبب بشكل مباشر في مقتل أكثر من إنسان واحد في الدقيقة الواحدة حول العالم، اليوم وكل يوم. وهناك أكثر من 3500 نوع مختلف من الناموس حول العالم، وأحد أهم الأنواع المؤذية لنا في المملكة، وبالذات في مكةالمكرمة، وجدة، وجازان هي أنثى (الإيديس إيجيبتاي) Aedes Egypti واسمها العلمي معناه (الزاعقة المصرية). وكما هو الحال بالنسبة للناموس فالذكور «غلابة» ولا يؤذون البشر بشكل مباشر، وأما الإناث فهن الشر بعينه لأنهن يلهثن وراء دمائنا بطرق عجيبة، ويعتبرن من نواقل الجراثيم الأشد فتكا بالبشرية على الإطلاق. ولا يشبعهن إلا الدم البشري. تطير هذه الحشرات بيسر وهدوء، ودون دراما رفرفة الأجنحة المزعجة كما هو الحال في أنواع الناموس الآخر. طبعا الطيران الهادئ معناه أن من الصعب أن تنذرك بوجودها، وكأنها طائرات الشبح التي تصل الى الهدف دون أن يكشفها «رادار» حاسة السمع. وهناك المزيد، فهي أصغر حجما من الناموس الآخر، وتمارس أعمال التخريب أثناء النهار بخلاف الحال لقريباتها اللاتي يمارسن مص دماء البشر ليلا. وبالتالي فمحاولة صدها باستخدام «الناموسية» غير فعالة. وللأسف أن هذه الناموسة هي أساس نشر حمى الضنك التي تستوطن العديد من المدن حول العالم، وقد عادت بعد اختفاء دام لعشرات السنين. وبالرغم من النجاح الذي تحقق في المملكة في احتواء المرض، فإن القضاء عليها يتم أساسا بمحاربة الناموسة الناقلة للجراثيم، فلا يوجد علاج أفضل من الاحتواء، والحد من ممارسات هذه البعوضة الضارة. وبالرغم من نجاح أمانات جدة، ومكةالمكرمة، وجازان، في تقليص أعداد الإصابات بمشيئة الله إلا أن الحرب مستمرة ضد الناموسة كالناقل الأساس. وقد توصل مجموعة من العلماء لابتكار أساليب غاية في الدهاء لمكافحة الحشرة. وآخرها من خلال الحب، أو بالأصح التزاوج. الموضوع باختصار هو أن العلماء وجدوا طرق لتلقيح ذكور «الزاعقة» بجينات تؤثر على أبنائهم من الإناث، فمنذ ولادتهن تمر هذه الجينات في خلاياهن لتوقف تطور عضلاتهن. ويصبح الموضوع «لا عضلات...لا حركة.. ولا طيران.. ولا عض.. ولا نشر الجراثيم» وبذا يصبح التزاوج هو الأداة الرئيسة لفتك أجيال الإناث، وهن مصدر الأذى للبشر. ومن الحب ما يقتل ويشل الحركة أيضا. وأما الذكور فتمر جينات آبائهم ليلقحوا الإناث، وتتأثر أجيال صغار إناثهم في جيل بعد الآخر. وقد وجدت هذه الأساليب الذكية نجاحا ملحوظا في تجارب واسعة النطاق تجرى الآن في المكسيك تحت إشراف مجموعة من الجهات العلمية الأكاديمية والحكومية. وللعلم فقد بدأت المحاولات بمكافحة الحشرات من خلال التغيرات الجينية منذ أكثر من أربعين سنة في أماكن مختلفة حول العالم، ولكن هذه من أفضل الأساليب المبشرة بالخير إن شاء الله. وبصراحة الجماعة الذين يفكرون في هذه الأساليب هم في قمة الروقان. أمنية من الروائع أن نشهد تقنيات حروب مختلفة عن المألوف لأنها فعلا جميلة إذا صح التعبير. هي فتاكة، ونظيفة، وهادفة ومركزة على هدفها. والأهم من كل هذا، أنها موجهة لأعداء البشرية الحقيقيين الذين لا يخطرون على البال. أتمنى أن نتذكر لطف الله علينا في الكبيرة والصغيرة ونسأل الله السلامة، وهو من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة