طيلة شهر وحراك الرياض الدبلوماسي يتصدر صفحات الصحافة الاووربية بمختلف توجهاتها دون استثناء. مواكبتها لهذا الحراك فتح المجال أمام التحليل السياسي والاقتصادي والامني لما يمكن أن تحمله لقاءات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- مع الزعماء الخليجيين والعرب في قصر اليمامة. جميع الآراء اتحدت على التأكيد بأن هذه اللقاءات تحمل صورة بارزة للجهد الدبلوماسي السعودي الجديد ضمن خريطة صناعة القرار الدولي، الى جانب ترسيخ المواقف التي تتمسك بها السعودية في نطاق التعاون الدولي من أجل تحقيق السلم العالمي، متجاوزة طموحات الدول الفردية. تشير قراءات هذه الصحف الى أنه إذا كانت المملكة هي محور الثقل السياسي الاقتصادي الشرق أوسطي، فأنه من الطبيعي أن تأخذ الرياض زمام المبادرة دائما في دعم التوجهات العربية، كما ينبغي للدول العربية جميعا أن تؤمن بهذا الواقع لتحقيق المصلحة المشتركة. ولعل دور المملكة اليوم في تركيبة الخريطة السياسية الاقتصادية العربية يشابه الى حد كبير دور فرنسا وألمانيا مجتمعتين في تشكيل وتفعيل الاتحاد الأوروبي كونهما يمثلان الثقل الاهم على الصعد السياسية والاقتصادية. صناع الأفق السياسي يقرون بأن التاريخ سيذكر دائما هذا الحراك الدبلوماسي الساعي الى صناعة مستقبل تنموي عربي، إذا ما تم تبنيه من الدول العربية جميعا، وإلا فإن الفرصة ستفوت إذا فرط العرب في استثمار حرص البلد الاكبر والاقوى في المنطقة واختاروا التشبث بالاهتمامات الفردية على حساب الاستقرار والتنمية طويلي الاجل، خاصة في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المنطقة وسعي بعض الاطراف والجماعات المتطرفة لاستغلال الفراغ الذي خلفه الاقتتال الداخلي في بعض الدول العربية للتوسع والاضرار باستقرار ومستقبل الشعوب. أوروبا بصحافتها وساستها تدرك تماما العمق السعودي المؤثر خاصة عندما تستذكر وقع الازمة المالية الحادة التي يصعب التعافي منها، مع تمدد أطراف إرهابية من أبناء جلدتها أفزعت الامن في ديارها، وهي مسببات تدفعهم للجلوس على طاولة السعوديين لاستحضار تقوية التعاون الاقتصادي والاستماع الى مشورتهم في كبح جماح التطرف نظير الإنجازات الامنية السعودية الفريدة، والممتدة الى أكثر من عقد ونصف من الزمان، وهو ما تجلى وهجه في زيارة سمو ولي ولي العهد الامير محمد بن نايف الاخيرة الى المملكة المتحدة.