عندما يرى الناس شخصا لا يلتزم بما يلتزم به الآخرون من أعمال يفترض أنها من الواجبات، وذلك من قبيل إظهار التميز عن الآخرين، فإنهم غالبا ما يصفونه (من باب السخرية) بأن على رأسه ريشة. وإذا طبقنا نفس هذا المنطق، فيبدو أن غالبية الإدارات والأجهزة الحكومية في المملكة على رأسها أكثر من ريشة.. ذلك أن كثيرا من المشاريع الحكومية قد نفذ دون الحصول على التراخيص اللازمة أو التقيد بأدنى شروطها.. وإن حصل ذلك، فقد يتم تجاوز الكثير من الشروط المطلوبة التي كان يتوجب التقيد بها فيما لو أقيم ذلك المشروع عن طريق القطاع الخاص.. وقد يبرر ذلك بأن المشروع حيوي وهام ويستدعي سرعة تنفيذه وعدم تعطيله، ولنأخذ مثالا على ذلك: مواقف السيارات.. فمن المؤكد أن الأمانة لن تمنح ترخيصا لأي مشروع خاص أو تجاري دون تحديد أو تخصيص أماكن كافية لوقوف السيارات، حسب نوعية وحجم المشروع وأعداد المترددين على الموقع... إلخ. ولكننا عندما ننظر بالمقابل إلى ما يحدث على صعيد المشاريع الحكومية نجد مثلا أن مشروع توسعة الطوارئ والبرج الطبي ومركز الغسيل الكلوي وترميم البنية التحتية لمستشفى الملك فهد بجدة.. والذي أدى بدوره لزيادة حجم العاملين والمراجعين بالمستشفى بما لا يقل عن 30%.. لم يكتف فيه بعدم تخصيص أي مواقف سيارات لتغطية الاحتياجات الجديدة، بل لقد تم استخدام أكثر من 80% من مساحة المواقف القائمة فعليا، والتي كانت غير كافية أصلا وأقيمت عليها المشاريع الجديدة كما واستولت الشركة القائمة على ترميم المستشفى على جزء كبير من بقية المواقف لوضع مكاتبها وإدارتها وسكن عمالها.. ومع بداية تشغيل المشاريع الجديدة، ظهرت معالم الكارثة الكبرى التي تمثلت في عدم توفر مواقف سيارات كافية للعاملين في المستشفى أو المرضى أو المراجعين أو الزوار، وازدحمت المواقع المجاورة وأقفلت الطرق نتيجة الوقوف الخاطئ وامتدت طوابير الانتظار إلى عدة كيلومترات عن المستشفى.. ضاق العاملون والمرضى والمراجعون وجيران المستشفى من الوضع المأساوي ولم تفلح الإرشادات ولوحات التحذير التي وضعت على مداخل المنازل المجاورة في منع السيارات من الوقوف، وتجاوزت مخالفات السيارات بدخولها إلى أملاك الغير، ورغم تجاوب بعض الملاك المجاورين للمستشفى الذين سمحوا باستخدام أراضيهم الخاصة لوقوف سيارات المراجعين والمرضى مؤقتا، فإن ذلك قد ساهم في حل المشكلة بنسبة 30 % فقط.. ورغم الاحتجاجات الشديدة من الجميع ونشر هذه المشكلة عبر وسائل الإعلام، إلا أن المسؤولين لم يتحركوا إلا متأخرين عندما أدركت إدارة المستشفى والشؤون الصحية خطورة الموقف ورفع على أثرها التماس عاجل إلى المقام السامي بطلب نزع ملكية عدد من المواقع المجاورة حول المستشفى لضمها كمواقف.. وكانت الاستجابة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله رحمه الله فورية تقديرا لهذا الوضع وإدراكا لخطورة الأمر وحقيقة الاحتياج.. وتم حجز مبلغ 700 مليون ريال لمشروع نزع الملكيات لتوسعة مستشفى الملك فهد قبل ثلاث سنوات تقريبا وأشعرت الجهات المعنية بذلك وبدأ التخطيط واجتمعت اللجان المعنية وحددت المواقع ووقعت المحاضر وأشعر أصحاب العقارات المجاورة المنزوعة واستبشر الجميع بالخير وقرب انفراج الأزمة.. ولكن طال انتظار المواطن، بينما أصحاب القرار يتعاملون مع الموضوع بسرعة لا تتناسب مع حجم المعاناة والحاجة لتنفيذ ذلك.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل يعقل أنه يتوجب الانتظار لمدة 3 سنوات لتنفيذ أمر ملكي لمشروع حيوي إنساني يخص شريحة كبيرة من المجتمع ويعمل على القضاء على معاناة يومية يتكبدها المواطنون، بينما الروتين يسير على هواه؟؟ إن ذلك هو مثال صارخ لكيفية إدارة المشاريع في بلادنا وما يكتنفه من بيروقراطية ولا مبالاة. إن موضوع موقف سيارات مستشفى الملك فهد يحتاج إلى مواقف عديدة لدراسة المشكلة والتعرف على جوانبها ووضع الحلول العاجلة والفعالة للتعامل معها: يحتاج الأمر إلى التخطيط المناسب والسليم ووضع المواصفات الواضحة والالتزام بتنفيذها بدلا من الارتجالية. يحتاج الأمر إلى التقيد بالتعليمات والحصول على التصاريح اللازمة من الجهات المختصة والمعنية والتنسيق معها قبل تنفيذ أي مشروع. يحتاج الأمر إلى قرار من القيادة ومتابعة جادة من المسؤولين على اختلاف مواقعهم ومستوياتهم. يحتاج الأمر إلى محاسبة المقصرين ومعاقبة المخالفين. إن معاناة المواطنين والمرضى والعاملين والمراجعين والزوار والجيران من مواقف المستشفى تحتاج إلى موقف واحد من مسؤول يأخذ بزمام المبادرة ويتولى دفة القيادة ويضع حدا لهذا الوضع المتفاقم وينتشل هؤلاء المنهكين من غياهب اليأس والإحباط التي حشروا فيها وعصفت بحياتهم.