قبل سنوات مضت، وعلى متن طائرة متجهة من جدة إلى الدوحة، جلس بجانبي أحد المبتعثين، وتجاذبت معه الحديث حول دراسته، وكان عائدا لاستلام عمله في أستراليا، بعد أن عجز عن الحصول على وظيفة. هذا الشاب تفوق في الماجستير وحصل على درجة امتياز وابتعث إلى أستراليا لدراسة الدكتوراه، واصطحب زوجته وأبناءه، وبعد فترة وجيزة اجتاز الدرجة بامتياز مع مرتبة الشرف، وقدم له عرض للعمل في نفس الجامعة، إلا أنه رفض وقرر العودة إلى أرض الوطن وترك أولاده يكملون دراستهم. طرق أبواب القطاع الخاص والجامعات وغيرها، والمحصلة يترك لهم السيرة الذاتية (c.v)، وتعثرت كل وسائله في الحصول على الوظيفة التي تناسب مؤهله رغم أنه متخصص في المحاسبة، ما دفعه للعودة والاستثمار في أبنائه وزوجته الذين يواصلون دراستهم هناك. حال هذا الشاب هو حال العديد من العائدين من الابتعاث، والذين لا يجدون فرصتهم في جامعاتنا رغم كثرتها رغم أنها تعج بغير السعوديين، وآن الأوان للإحلال وإتاحة الفرصة لأبناء وبنات الوطن للعمل في المجال الأكاديمي. تذكرت قصة هذا الشاب عندما وصلتني رسالة حزينة من شاب عائد من أمريكا بعد اجتيازه للماجستير بتقدير امتياز، وأورد منها: «حصلت على درجة الماجستير في علوم الحاسب الآلي بتقدير ممتاز من جامعة كاليفورنيا لوثرن، وحاصل على درجة بكالوريوس الحاسب الآلي من كلية المعلمين بجدة بتقدير جيد جدا وشهادة التفوق العلمي لحصولي على المركز الرابع في ترتيب الخريجين، وكل هذا لم يشفع لي في الحصول على الوظيفة رغم تنقلي بين الجامعات، وفي النهاية لم أجد إلا كلمة اعتذار». ويسترسل الشاب المكلوم: «المشكلة لا تخصني وحدي، بل تخص جميع خريجي كلية المعلمين ممن تم ابتعاثهم ضمن مشروع الابتعاث على نفقة الدولة وبعد عودتهم رفضتهم الجامعات متجاهلة شهاداتنا العليا وتخصصاتنا الدقيقة من أعرق الجامعات، معللين ذلك بوجود تعليمات بعدم السماح لخريجي كلية المعلمين بالعمل في المجال الأكاديمي بالجامعات». ويذكر في رسالته بأنه اجتاز قبل الابتعاث جميع الاختبارات والمقابلات الشخصية أو ما يسمي كفايات المعلمين التي تؤهله للعمل في مجال التدريس في التعليم العام أو العالي وأمضى سنوات في الغربة مؤملا العودة لبناء المستقبل والالتحاق بالعمل الأكاديمي وبعد الرفض الذي واجهه من الجامعات قرر الاتجاه إلى الكليات العسكرية، المؤسسة العامة للتدريب المهني، الخطوط السعودية، ولكن جميعها ترفض توظيف خريجي كلية المعلمين بدعوى أن العمل التربوي والأكاديمي هو موقعهم المناسب حتى أن معهد الإدارة العامة يرفض توظيفهم، وفي الواجهة الرئيسية لصفحة التقديم أوضحوا عدم قبول خريجي كلية المعلمين. مضى عامان، وهذا الشاب وزملاؤه يبحثون عن وظائف، ويدخلون في المنافسات الوظيفية في القطاع الحكومي التي تعد المقياس الحقيقي لكفاءة المتقدمين، لكن النتائج كانت مخيبة لهم ورفضهم أيضا، كونهم من خريجي كليات المعلمين، ما دفع البعض إلى التنازل عن شهاداتهم العليا والعودة بشهادة البكالوريوس لضمان الوظيفة ولم يستفيدوا من شهادة الماجستير إلا الغربة فقط، وأصبحوا عاطلين رغم أنهم يعولون أسرا وحياتهم باتت في مهب الريح، فهل من حل لتوظيف الشباب واستثمارهم للمشاركة في بناء الوطن، أو إغلاق هذه الكليات طالما أن الجميع يرفض توظيف مخرجاتها؟!. والغريب، هل يعقل أن بعض الجامعات قبلت بتوظيف خريجي كليات المعلمين أثناء احتياجها في مراحل التأسيس، والآن ترفض المؤهلين بشهادات عليا ومن أعرق الجامعات، أعتقد أن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر، ولا سيما أن وزارة التعليم الآن في مراحل بناء وتأسيس بعد دمج التعليم العالي والتربية والتعليم في وزارة التعليم التي ينتظر منها الكثير في معالجة الأنظمة والإجراءات بما يواكب الاحتياج الفعلي واستثمار الطاقات الواعدة.