عاد المئات من الطلاب المبتعثين إلى الخارج للدراسة إلى أرض الوطن، لكن لم يجد بعضهم عملاً على رغم عودتهم محملين بشهادات عليا في تخصصات مختلفة ومطلوبة للسوق، فلم يعثروا على وظائف تناسب مؤهلاتهم العلمية، في حين اقتنع بعضهم بوظائف لا تمت لشهادته بصلة، وبعضهم فضل العمل، من أجل العمل، ولو براتب ضئيل. يقول الحاصل على ماجستير إدارة أنظمة معلومات من جامعة هيدرزفيلد في بريطانيا ماجد الحصيني ل «الحياة» إنه تخرج في آب (أغسطس) 2011 «وبعد العودة إلى الوطن مباشرة، بدأت بالبحث عن وظيفة تناسب مؤهلي العلمي من خلال التقدم على الوظائف، وكان تركيزي في أول الأمر على التقدم عبر الانترنت، لكن اكتشفت انه للأسف غير مفعل نهائياً في السعودية لعدم إعطاء المتقدم التحديث التام لعملية التقديم»، لافتاً أنه تقدم لأكثر من 15 منشأة ولم يتم الرد عليه، ولو بالرفض. وأضاف: «قمت بالتقديم عن طريق توزيع السيرة الذاتية للشركات، وأجريت مقابلات شخصية عدة، ولكن لم يتم إعطائي عرضاً وظيفياً إلا من شركة واحدة، وكان العرض ليس متوافقاً مع تخصصي ولا مجالي الدراسي، إذ لم يكن سوى «مسوق» في احد الشركات المقدمة لخدمة الانترنت، براتب 4 آلاف ريال، ولم أقبل به لسبب أن هذا العرض أتى في بداية التقديم وكان عندي أمل بالأفضل». وتابع: «الآن أتمنى أن أعود لهذا العرض وأرضى بالأجر الزهيد، ومجال العمل الذي هو ليس من اختصاصي لكي أجد لقمة عيشي... كنت متحمساً جداً في أول أيام تخرجي، وكنت أفكر كيف أستطيع تطوير هذا البلد بعد عودتي إليه، هذا البلد الذي أعطاني الكثير». صدم الحصيني بما واجه، وتحولت الحماسة إلى إحباط، غذاه وصوله إلى قناعة بأن «الواسطة أهم من المؤهلات العلمية»، وزاد: «للأسف، لا تستطيع أن تقف أمام الواسطة، التي تعيق أي شاب سعودي طموح». ويشير إلى أنه يحمل شهادة أكاديمية عليا والى الآن يحصل على مصروفه الشخصي من والده «هذا أمر يؤثر في نفسيتي». ويستطرد: «أنا لا اطلب المستحيل أو اطلب الوظيفة بمنصب عالٍ، أريد فقط الإنصاف بإعطائي ما أستحق وما يعادل غربتي وتحصيلي لهذا المؤهل العلمي فقط». مضت 10 أشهر على حصول علي الصقيهي على الماجستير في علوم الحاسب المتقدمة ولا يزال عاطلاً عن العمل، يقول: «لم أعمل في أي مجال، ولم أترك شركة إلا وقدمت عليها، مع انني متخرج من جامعة بريطانية كأفضل طالب في قسم الكومبيوتر والهندسة». ويضيف: «لم أجد أي اهتمام من الجهات المعنية، وهذا ما زاد الطين بلة، فأنا عاطل عن العمل على رغم أني أحمل شهادة عليا ومعدلات مميزة... هذا يجعلني أجابه ضغوطات نفسية واجتماعية، فلا زواج ولا سيارة ولا أي شيء» قبل أن يردد المثل الشهير: «كنك يا بوزيد ما غزيت». ولفت إلى أن لم يهرول هو ومئات الآلاف من الطلبة المبتعثين إلى جامعات العالم إلا سعياً وراء تكوين مستقبل عملي لا يحتمل التشكيك في جدواه في سبيل الحصول على عمل مناسب في مجال التخصص. وأشار إلى أن «هناك شباباً غيرنا عادوا إلى أرض الوطن وهم على مستوى جيد من التأهيل ومعهم شهادات تخصصية نادرة»، مطالباً الجهات المختصة بالتفاعل السريع من خلال الاستغناء عن الأجانب، وإحلال الطلبة العائدين مكانهم دون قيد أو شرط. ويشاطرهم الرأي علي إبراهيم الذي عاد من أستراليا حاملاً درجة الماجستير في الإدارة المالية عندما يقول: «قدمت على جميع البنوك المحلية وشركات الوساطة والمصانع وجميع ما وجدته من إعلانات للوظائف في الصحف ومواقع التوظيف في الانترنت، وإلى الآن لا حياة لمن تنادي». ويضيف: «لأكثر من عام وأنا عاطل، لم أجد وظيفة إلا قبل فترة بسيطة، علماً بأنها لا تتناسب مع مجال تخصصي وبمبلغ لا يذكر، إلا ليس الهدف من الابتعاث هو الاستثمار في أبناء الوطن المبتعثين، وتنمية الموارد البشرية بالعلم والمعرفة، ورفع ثقافة ووعي الجيل الجديد من المجتمع، للأسف لم نجد مكاناً يحتضن إمكاناتنا». وفيما تتكاثر القصص عن مبتعثين عائدين بلاعمل في الآونة الأخيرة، أكد نائب وزير التعليم العالي الدكتور أحمد السيف نهاية الأسبوع الماضي أنه تم التوسع في القبول في الجامعات السعودية، وأصبح المقعد الجامعي متاحاً لأبناء الوطن بشكل واسع سواء في البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه وأصبح الطالب السعودي يبحث عن مقعد نوعي، مع وجود أكثر من 34 جامعة وكلية أهلية في مختلف مناطق المملكة استطاعت أن تحقق التوسع الكمي على مستوى الجامعات. ويعتبر برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أكبر برنامج من نوعه في العالم، إذ ان السعودية لديها 131 ألف مبتعث في أكثر من 26 دولة حول العالم. وأنفقت الدولة نحو 80 بليون ريال على المدن الجامعية إلى الآن، وجرى مراجعة الكثير من الخطط الدراسية في الجامعات من أجل ضبط الجودة، وضم كليات المعلمين إلى وزارة التعليم العالي، وإعادة تأهيل هذه الكليات من حيث الخطط والبرامج، كما راجعت الجامعات كثيراً من الخطط واستحدثت تخصصات جديدة تناسب وسوق العمل، وتركز على التخصصات العلمية مثل الطب والهندسة.