أكثر من 130 ألف مبتعث رغم بعد المسافات بين الدول التي تم ابتعاثهم إليها .. إلا أن هناك حلم واحد يجمعهم وهو «التوظيف». يحلمون بالعودة إلى الوطن والانضمام إلى كتائب الموظفين سواء في القطاع الخاص أو الحكومي. ويرى مختصون أن الابتعاث بات أكثر أهمية وأن الوطن يحتاج إلى هؤلاء المبتعثين خاصة في تخصصات يحتاجها سوق العمل كالهندسة والطب وغيرهما .. بينما قللوا من أهمية الابتعاث لغير حاجة سوق العمل وبدون خطة مدروسة مسبقًا فيه شيء من سوء التخطيط. وقال عدد ممن تحدثوا ل «المدينة» إن مشروع خادم الحرمين للابتعاث يحقق تطلعات العمل في القطاع الحكومي والخاص ولكنه في غياب أي خطة تربط التعلم بالتشغيل يصبح مشكلة كبيرة. ودعوا إلى تشكيل لجنة من وزارتي العمل والتعليم العالي لدراسة أعداد العائدين من الابتعاث ودراسة تخصصاتهم وتوجيههم للعمل سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، على أن يكون الابتعاث للتخصصات العلمية. كما طالبوا إلى وضع خطة عاجلة لتشغيل خريجي الجامعات والابتعاث، مؤكدًا أن بطالة الخريجين المؤهلين المبتعثين أخطر من بطالة غير المؤهلين، وقد تم ابتعاث 130 ألف طالب فلا بد من أن نستعد لهم والتنسيق قبل عودتهم. يقول وكيل وزارة الخدمة المدنية عبدالله الملفي، إن نحو 35 ألف وظيفة حكومية في الجامعات و95 ألف وظيفة حكومية في المجال الصحي شاغرة وتعتبر فرصًا وظيفية للسعوديين، ومنها 12 ألف وظيفة تمريض نساء، وأضاف في ورقة عمل قدمها مؤخرًا خلال ملتقى نظمته إمارة منطقة عسير بالتعاون مع معهد الإدارة العامة بعنوان «سوق العمل: المشكلات والحلول» في مقر المعهد في الرياض أن عدد المتعاقدين غير السعوديين في القطاع الصحي بتاريخ 28/3/1433ه بلغ 58459 متعاقدًا ومتعاقدة، وأوضح أن السبب في عدم إحلال الموظفين السعوديين مكانهم يعود إلى أن كل هذه التخصصات التي يشغلها غير سعوديين لا يتوافر مواطنون ومواطنات تتوافر لديهم شروط شغلها وإن توافرت فأعدادهم قليلة، مشددًا على أن هذه الوظائف تعتبر في حكم الشاغرة وتعلن عنها الوزارة بصفة مستمرة والتوظيف عليها مباشر. وأوضح أنه في آخر مفاضلة تمت لخريجي الدبلومات الصحية بلغ عدد المتقدمين والمتقدمات نحو 28500 متقدم ومتقدمة موزعين على 30 تخصصًا وعند تحليل أعدادهم بحسب التخصصات والجنس لوحظ أن النساء في حدود 2800 متقدمة في حين البقية يمثلون الذكور، فيما استحوذت تخصصات التمريض، والصيدلة، والسجلات الطبية، والمختبرات، والأشعة، والإدارة الصحية، والتغذية، ومساعد طب الأسنان من الذكور على النسبة العظمى، إذ بلغ عددهم في هذه التخصصات نحو 22000، في حين أعداد الوظائف المتاحة في الجهات الحكومية للرجال في هذه التخصصات محدودة جدًا، وتطرق الملفي إلى أن وظائف أعضاء هيئة التدريس في الجامعات إذ بلغ عدد غير السعوديين 12140 متعاقدًا ومتعاقدة بتاريخ 28/3/1433ه منهم 6571 متعاقدًا ومتعاقدة برتبة «أستاذ مساعد» وهي مرتبة الدخول لدرجة الدكتوراة، و519 وظيفة في رتبة معيد والبقية في الرتب المختلفة وجميعها فرص متاحة للمواطنين والمواطنات متى ما توافرت شروط شغلها لديهم والجامعات تعلن عن تلك الوظائف بصورة دائمة. يقول أكرم الزهراني إنه حصل على درجة الماجستير في تخصص رياضيات وتقدم إلى ثلاث جامعات إلا أنه لم يتم قبوله. أما مشاري دليم عيد العتيبي خريج جامعة نيوكاسل باستراليا ماجستير تسويق 2011/5 يقول: عند عودتي من الابتعاث في مايو من العام الماضي كنت آمل أن أجد وظيفة في وقت قياسي لكي يتسنى لي المساهمة في رقي بلادي وأضاف: تقدمت للكثير من الشركات وللأسف لم يكن هناك أي تجاوب يذكر، مشيرًا إلى أنه بعد إجراء المقابلة يفاجىء بأن الراتب لايتجاوز 5000 ريال كما يطلب منه العمل في مجال غير مجاله. واستغرب إصرار غالبية الشركات على التقديم فقط عبر الأنترنت وتهربها من التوظيف بدعوى عدم وجود خبرة في مجال العمل. أما المبتعثة أحلام السلمي حاملة لشهادة ماجستير في تخصص الصحة العامة من جامعة فلندرز - أستراليا - قالت انضممت إلى البعثة عام 2009م لدرجة الماجستير وسافرت إلى أستراليا ونلت درجة الماجستير في الصحة العامة لأنه من التخصصات المطلوبة في مستشفياتنا وقد أتممت دراستي في عام 2011م وقد كنت من الطلاب القلائل الذين أنهوا فترة ابتعاثهم قبل نهاية المدة المقررة رجعت إلى الوطن وكلي أمل بوظيفة رائعة أبني بها مستقبلي وأبني بها الوطن ولازال الأمل يحدوني في أن أجد وظيفة تناسب تخصصي. أما خلود عادل كمال فرحات ماجستير تغذية علاجية من إحدى الجامعات في أمريكا قالت: كنت أحلم بوظيفة تتناسب مع تخصصي وسبق لي أن تقدمت في بداية الأمر إلى المستشفيات الحكومية ولم يحالفني الحظ. وشاركنا محمد الحربي حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة نيوكاسل قائلاً: عند انتهائي من دراسة الماجستير توقعت أن أجد الوظيفية مشرعة أمامي في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص ولكن للأسف تقدمت لعدة شركات ولم يتم قبولي وتقدمت أيضًا لعدة قطاعات حكومية ولم يتم قبول طلبي فمخرجات الابتعاث بحاجة إلى خطط تتواكب مع حجم الأعداد المبتعثة. رواتب مخجلة أما عبدالإله الزهراني ماجستير تسويق من جامعة نويكاسل قال: عشت خلال فترة الابتعاث حلم التوظيف والأبواب المفتوحة لنا بعد العودة من جانب القطاعات الحكومية والخاصة، وقد تقدمت إلى أكثر من 20 شركة ولم أجد سوى عبارة «يصير خير»، وإذا اتصل أحد تكون الرواتب متدنية لا تصل إلى 4 آلاف ريال فنحن نحمل تخصصات مطلوبة في سوق العمل ولكن ينبغي أن تكون هناك ملائمة ما بين مخرجات الابتعاث وسوق العمل حتى يجد كل مبتعث ومبتعثة فرصة للوظيفة بما يتماشى مع المؤهل الدراسي. وقال منيف الشمري: حصلت على ماجستير تخصص تسويق من جامعة نيوكاسل في أستراليا إضافة إلى دبلوم إدارة مشروعات ودورة إدارة موارد بشرية من جامعة اوركل وتخرجت بتاريخ 6-7-2011 وتقدمت لأغلب الجامعات وأكثر من 70 شركة ولكن لم أجد الفرصة حتى الآن. أما سفر محمد المأمون حاصل على ماجستير علوم حاسب آلي من جامعة كاليفورنيا تقدير ممتاز في 16/12/2011 قال: تقدمت إلى جامعة الملك خالد ولم أُقبل لأني أحمل درجة البكالوريوس من كلية المعلمين في أبها والتابعة لنفس الجامعة، ثم ذهبت إلى جامعة جازان وجامعة نجران دون أن أجد أي قبول وتوجهت إلى جامعة طيبة على وظيفة معيد وهي أقل من المستوى المستحق ولكن لم يتم الرد منذ أكثر من 3 أشهر، أما جامعة الملك فيصل فقد تم تقديم الأوراق وتم الرفض بسبب عدم مطابقة الشروط بدون تحديد، وبدأت معاناتي مع جامعة الدمام ولم يتم الرد منذ أكثر من شهرين، كما تقدمت إلى جامعة أم القرى على وظيفة محاضر منذ أكثر من أسبوعين ولم يتم الترشيح لدخول الاختبار إلى الآن، وجامعة الملك عبدالعزيز تم تقديم الأوراق ولكن رفض الطلب لعدم وجود خبرة «ثلاث سنوات»، أما كلية ينبع الجامعية تم رفض الطلب؛ لأن تقدير البكالوريوس جيد علمًا بأنني متقدم على وظيفة محاضر وليس وظيفة معيد. وفي جامعة تبوك تم التقديم مرتين في المرة الأولى تم رفض الطلب لعدم مطابقة الشروط وفي المرة الثانية طلبوا إجراء مقابلة شخصية في مقر الكلية وأنا من سكان مدينة خميس مشيط ولا أستطيع السفر إلى مدينة تبوك. رواتب ضعيفة أما سطام المطيري ماجستير إدارة الأعمال تخصص الموارد البشرية من جامعة تازمانيا في أستراليا قال: تقدمت إلى إحدى الوزارات وإحدى شركات التأمين إلا أنهم لم يتواصلوا بعدها معي. وأضاف: قدمت على برنامج جدارة للتوظيف عبر الخدمة المدنية ورفضت ترشيحي على البكالوريوس ولم يتم استدعائي لهذا اليوم للمطابقة أو الترشيح على أي من الوظائف وأتمنى أن يكون المبتعث قد خطط مسبقًا في التخصص المطلوب لسوق العمل. وقالت هدية المطيري ماجستير صيدلة من جامعة تازمانيا في أستراليا: علمت أن تخصص الصيدلة نادر وبه نقص وقد تقدمت ل «التخصصي - قوى الأمن - مدينة الملك فهد الطبيع - العسكري» ولم يتم قبولي، كما قالوا لي في هيئة التخصصات الطبية: إنني لن أستطيع معادلة الماجستير إلا بعد اجتياز اختبار الهيئة وقد سبق وأن عملت سنتين في أحد مستشفيات الرياض وحصلت على الخبرة ومصنفة من هيئة التخصصات. أما خالد عواد الدهمشي العنزي ماجستير تربية خاصة جامعة ولونجونج الأسترالية قال: قدمت على جميع الجامعات السعودية ولم أتلقَ أي رد وبحكم إقامتي في مدينة عرعر أراجع جامعة الحدود الشمالية باستمرار وللأسف آخر رد لهم كان أنه لا توجد مسابقة وظيفية. أكاديميون: الجهات الحكومية تعاني من التشبع والخاصة ليست ملزمة بالتوظيف اتفق عدد من الأكاديميين أن الابتعاث لا يعني توفير الوظيفة مباشرة لكل عائد من الدراسة بالخارج وذلك لوجود فروق في المستويات. وأشاروا إلى أن المشكلة تكمن في أن الجهات الحكومية تعاني من التشبع في الوظائف والقطاع الخاص ليس ملزمًا بتوظيف أحد. يقول الدكتور محسن الحازمي عضو مجلس الشورى: لا أعتقد أن هناك مشكلة في مجال المبتعثين بالقطاع الطبي بحكم محدودية المقاعد وفي ظل حاجة القطاع الطبي للجميع حيث لا تزيد نسبة السعودة على 20% حاليًا وسيتم إحلال أبناء البلد في المواقع التي يشغلها الوافدون. أما الدكتور هاشم الشيخي الأكاديمي بجامعة الملك فيصل يقول: إن الدول لا يمكنها أن تنهض وأن تحتل المكانة المنشودة عالميًا إلا عن طريق الابتعاث الخارجي لأبنائها ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك الصين، فعلى الرغم من قوتها ونفوذها ومكانتها العالمية إلا أنها كانت وما تزال تواصل عملية الابتعاث لمواطنيها وفق خطط مقننة. لكنه عاد للسؤال: هل أسهم الابتعاث فعليًا في تحقيق أهدافه وهل تم وفق خطة وطنية شاملة تلبي الاحتياجات وتسهم في حل مشكلاتنا؟ وإن كانت الإجابة بنعم فمن الذي وضع تلك الخطة، هل هي وزارة التعليم العالي أم الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة؟!. وما الهدف الحقيقي من الابتعاث، هل هو الاحتكاك بالثقافات كما يشار إليه على نطاق واسع في الإعلام ومن قبل الكثير من المسؤولين؟ أم الإسهام في تطوير المجتمع وحل مشكلاته وتلبية احتياجاته في التخصصات ذات العلاقة؟ من جهته راى الدكتور محمد الخازم الاستاذ المساعد بجامعة الملك سعود أن برنامج الابتعاث الخارجي يجب أن يؤخذ وفق سياقه الأساسي باعتباره برنامجًا تعليميًا وتأهيليًا للكوادر السعودية مثل برامج الجامعات والمؤسسات التعليمية المحلية، وبالتالي لا يكون مرتبطًا بتوظيف العائدين من البعثات أو التدريس بالجامعة. وأضاف: أن برامج الابتعاث تحتضن آلاف المبتعثين ليسوا جميعًا بنفس الكفاءة وبالتالي فهو ليس شرطًا لتميز الشخص واستحقاقه للوظيفة مباشرة. وليس صحيحًا أن الجهات الحكومية تتهرب من توظيفهم برغبتها. وبالنسبة للقطاع الخاص ففي ظل عدم وجود قوانين ملزمة وواضحة في موضوع السعودة فهو ليس مجبرًا على توظيف المبتعثين وغيرهم، لتركيزه على الجاهز للوظيفة والأقل كلفة. وأضاف: يجب عدم تجزئة القضية تارة بحصرها على خريجي المعاهد الصحية وتارة بحصرها على المبتعثين وتارة على المهندسين، فهي تتعلق بالكوادر البشرية في كل المجالات. أما الدكتور غازي العباسي وكيل كلية العمارة والتخطيط للدراسات العليا والبحث العلمي جامعة الملك سعود فأعرب عن اعتقاده بصعوبة التعويل على القطاع العام لاستيعاب هؤلاء الخريجين وذلك لمحدودية الوظائف، كما لا ينبغي توفير وظائف جديدة فقط لاستيعاب هؤلاء العائدين، بل يجب إعداد خطة لإحلال وظائف لهؤلاء العائدين مكان الوافدين والتشجيع على التقاعد المبكر مما يساهم في دخول دماء جديدة واعدة، كما يجب تشجيع القطاع الخاص لتبني مثل هذه الطاقات الواعدة ولا ينبغى توظيفهم فقط لعودتهم من البعثة الدراسية وأعتقد أن السوق يستوعب أضعاف هؤلاء العائدين، حيث لدينا 7 ملايين أجنبي يعملون في وظائف مختلفة. ودعا وزارة العمل إلى الاستعداد ورفع نسبة السعودة، وتحديث إحصاءاتها. لجنة لدراسة خطة التوظيف من جهته قال الدكتور عبدالله صادق دحلان إنه مع التوجه للابتعاث إذا كان مدروسًا وفي تخصصات يحتاجها سوق العمل كالهندسة والطب وغيرهما، أما الابتعاث لغير حاجة سوق العمل وبدون خطة مدروسة مسبقًا فيه شيء من سوء التخطيط. وأضاف: مشروع خادم الحرمين للابتعاث يحقق تطلعات العمل في القطاع الحكومي والخاص ولكنه في غياب أي خطة تربط التعلم بالتشغيل يصبح مشكلة كبيرة. ودعا إلى تشكيل لجنة من وزارتي العمل والتعليم العالي لدراسة أعداد العائدين من الابتعاث ودراسة تخصصاتهم وتوجيههم للعمل سواء في القطاع الخاص أو الحكومي، مشددًا على أن يكون الابتعاث للتخصصات العلمية، كما دعا إلى وضع خطة عاجلة لتشغيل خريجي الجامعات والابتعاث مؤكدًا أن بطالة الخريجين المؤهلين المبتعثين أخطر من بطالة غير المؤهلين وقد تم ابتعاث 120 ألف طالب فلا بد من أن نستعد لهم والتنسيق قبل عودتهم.